لشدة ضعفنا نحن العرب، نعقد الأمل على مرشح دون آخر، ونبدأ بالمقارنة وتعداد المناقب. وإذا ما فاز المرشح الذي عوَّلنا عليه، نجده سرعان ما يتعرّى أمامنا وينقلب علينا ويُخيب آمالنا، ويتبين أنه ليس كما تصورنا. وما الرئيس السابق باراك حسين أوباما ببعيد عنّا؛ فقد استبشرنا بسحنته الداكنة وأصوله الإسلامية خيرًا، وتجاهلنا اسمه الأول (باراك) وتغنّينا – بسذاجة – بالمقطع الثاني من اسمه (حسين). إلا أنه خلال فترة حكمه اتضح أنه أكثر الرؤساء الأمريكيين احتقاراً لنا وازدراءً، حيث قدّم خدمات جليلة لأعدائنا، لا سيما لإيران وإسرائيل، على حساب مصالح أوطاننا. وقد شهدت فترته تدهوراً في أوضاعنا، فلم تتحرك القضية الفلسطينية قيد أنملة، وضاعت سوريا وأحلامها، وتدهور العراق، وتوالت النوازل والمصائب على منطقتنا.
حبذا لو ندرك نحن العرب أن كل رؤساء الولايات المتحدة، سواء كانوا من الجمهوريين أو الديمقراطيين، يعملون تحت راية مؤسسات الدولة العميقة، ولا يجرؤون على تجاوز خطوطها. جميعهم يقدّمون مصلحة بلادهم على كل القيم الإنسانية، ويعتنقون شعار: “إن كنت مضمداً للعظام المكسورة، فلا يجوز أن تكون شفوقاً”. لا ضمير لهم ولا حس إنساني، وكلهم يتسابقون لتقديم خطوات إضافية تضمن بقاء أمريكا في الصدارة. إنهم يقفون أمام نتنياهو ومن سبقه أو سيخلفه، خاضعين ومستسلمين.
أما نحن العرب، فنظل ضعفاء، تسيّرنا العواطف، ولا نُجيد سوى لغة الرجاء والهجاء والتمني. إعلامنا يزيد من عمق مأساتنا، ويتجلّى ذلك في مواكبة استوديوهات مثل الجزيرة والعربية لحملات الترشيح والرئاسة الأمريكية. هؤلاء المحللون والمعلقون الذين يستضيفون من سيناتورات وكبار الموظفين الأمريكيين، يوهموننا بأن الأمور تسير لصالحنا، في حين أن الحقيقة تظل ثابتة: الفائز في النهاية سيكون إما أبو جهل أو حمّالة الحطب، ولا خير يُرجى.
متى يدرك العرب حقيقة السياسة الأمريكية؟
ربما يكون الأجدى بنا نحن العرب أن نعيد النظر في مقاربتنا للسياسة الأمريكية، وأن نكفّ عن وضع آمالنا في زوايا مظلمة ووعود لم تُخلق لنا. فالتاريخ يعلمنا أن السياسة الخارجية الأمريكية ليست حكراً على رئيس دون آخر، بل هي امتدادٌ لسياسات مؤسساتية عميقة تحافظ على مصالح أمريكا أولاً. إن آمالنا المعلّقة بمرشحٍ أمريكي كمن يزرع في أرض غير خصبة؛ فبغض النظر عمن يشغل منصب الرئاسة، تظل مصلحة الولايات المتحدة العليا هي البوصلة، دون اعتبار لحال الشعوب الأخرى أو قضاياها الإنسانية. لن يتغير حالنا إلا إذا أدركنا أن قوتنا تبدأ من داخلنا، وأن الوحدة والوعي بمصالحنا القومية هما السبيل لتغيير واقعنا بعيداً عن وعود الخارج، التي غالباً ما تخدم أجنداتها الخاصة على حسابنا.
الخاتمة:
علينا نحن العرب أن نتجاوز مرحلة الأوهام التي تربط مصيرنا بأسماء أو أحزاب سياسية أجنبية. فالتجارب الطويلة أثبتت أن مصالح أمريكا تأتي دائماً في المقدمة، وأن الرؤساء مهما اختلفت وجوههم وسياساتهم المعلنة، يعملون لخدمة بلادهم دون النظر إلى تبعات ذلك على منطقتنا. لقد آن الأوان لنركز على بناء قوتنا الذاتية، والعمل على توحيد صفوفنا وتحديد مصالحنا المشتركة بعيداً عن الرهانات الخارجية. وحدها هذه الرؤية المستقلة والمتجذرة في مصالحنا هي التي يمكن أن تحفظ حقوقنا وتحقق لنا موقعاً قوياً في عالمٍ لا يعترف إلا بالأقوياء.