في تقرير جديد يحمل عنوان “خطر الاعتقال والتعذيب يلاحق العائدين من لبنان إلى سوريا“، تسلط منظمة “هيومن رايتس ووتش” الضوء على المخاطر التي يتعرض لها السوريون العائدون من لبنان، الذين يجدون أنفسهم مجبرين على العودة إلى وطنهم رغم استمرار النزاع وانعدام الأمن. وبينت المنظمة أن هذه العودة تجلب لهم عواقب وخيمة، تبدأ بالتوقيف والاعتقال من قِبل السلطات السورية، وصولاً إلى الإخفاء القسري، التعذيب، وأحياناً الوفاة أثناء الاعتقال او القتل القصد.
تفاصيل حول الاعتقال والانتهاكات
أشارت “هيومن رايتس ووتش” إلى أن العائدين، وخصوصاً الرجال منهم، هم الأكثر عرضة للاعتقال التعسفي والانتهاكات الجسيمة على يد الأجهزة الأمنية السورية، التي غالباً ما تتجاهل أي ضمانات أو عفو صادر عن الحكومة. وثقت المنظمة في تقريرها أربع حالات اعتقال مؤكدة، بينما تشير منظمات أخرى إلى تسجيل عشرات الحالات لعائدين، منهم من احتجز فور وصوله إلى المعابر الحدودية، وآخرون اعتقلوا داخل البلاد، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش والأجهزة الأمنية، مثل جهاز المخابرات العسكرية.
وأضاف التقرير أنه في عام 2024 توفي رجلان كانا قد رُحلا من لبنان وتركيا قبل سنوات، وبقيا قيد الاحتجاز منذ ذلك الحين، كما تعرض اثنان آخران للإخفاء القسري بعد اعتقالهما وتسليمهما للسلطات السورية من لبنان، مما يعكس غياب الحماية والضمانات في البلدين تجاه السوريين الراغبين بالعودة إلى وطنهم.
أكد آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، إذ إن السلطات السورية مستمرة في تقييد دخول المنظمات الحقوقية الدولية إلى أماكن الاحتجاز، مما يحجب المعلومات ويمنع توثيق ما يجري من انتهاكات خلف الأبواب المغلقة. وأضاف كوغل أن العودة ليست نتيجة تحسن الأوضاع في سوريا، بل تفرضها الظروف الصعبة في بلدان اللجوء. يضطر اللاجئون إلى العودة نتيجة الضغوطات، وغياب البدائل الآمنة أمامهم، على الرغم من المخاطر المعروفة للعودة إلى مناطق النزاع.
قصص مؤلمة للعائدين
يروي التقرير قصصاً مفجعة لأفراد وعائلات عادت إلى سوريا لتواجه الاعتقال والانتهاكات. من بين هذه الحالات، مقابلات أجرتها “هيومن رايتس ووتش” مع سوريين عادوا من لبنان، وبينهم أقارب لخمسة معتقلين اعتقلتهم قوات النظام فور عودتهم. إحدى الحالات تمثلت في امرأة عادت مع زوجها وأطفالها بعد اشتداد القصف الإسرائيلي في لبنان، إلا أن زوجها – وهو جندي سابق – اعتقل عند وصولهم إلى معبر الدبوسية، على الرغم من العفو العام الذي شمل الفارين من الخدمة العسكرية. انتظرت الزوجة خمس ساعات للحصول على معلومات عن زوجها، لكنها لم تحصل على أي شيء، وهي تعيش الآن في ظروف إنسانية قاسية مع أطفالها، دون أدنى معرفة بمصيره.
يعيش السوريون في لبنان أوضاعاً صعبة ازدادت تعقيداً مع تصاعد التوترات الداخلية وتزايد حدة الخطاب المناهض للاجئين. أشارت “هيومن رايتس ووتش” إلى أن الكثير من السوريين تعرضوا للطرد من المساكن، كما مُنعوا من دخول بعض الملاجئ التي باتت تخصص أماكنها للبنانيين والفلسطينيين أولاً. ويأتي هذا الوضع ضمن حملة ضغوط مستمرة لدفع السوريين إلى العودة إلى بلادهم، ما يعكس سياسة قسرية تهدف إلى تقليل أعداد اللاجئين في لبنان.
وتشير المنظمة إلى أن هذه السياسات التمييزية دفعت الكثير من السوريين إلى التفكير في العودة، على الرغم من المخاطر التي تنتظرهم في الداخل السوري. وفي هذا الصدد، دعت “هيومن رايتس ووتش” السلطات اللبنانية إلى تجنب أي سياسات قد تدفع باللاجئين إلى اتخاذ قرارات تهدد حياتهم وأمنهم.
وفي ظل هذه الظروف، برزت الدعوات الأوروبية المتزايدة لترحيل اللاجئين السوريين، على الرغم من المخاوف الحقوقية والأمنية المتعلقة بعودتهم. تؤكد “هيومن رايتس ووتش” أن سوريا ليست آمنة بعد للعودة، حيث لا تزال الانتهاكات مستمرة بحق المعتقلين، وتظل ظروف الاحتجاز دون معايير دولية أو حماية للمعتقلين. لذلك، ناشدت المنظمة الدول الأوروبية بوقف عمليات الترحيل القسري التي تعرض حياة اللاجئين للخطر.
وحثت المنظمة أيضاً المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على الالتزام بموقفها المعلن في مارس 2021، والذي نص على أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وأن أي تشجيع على العودة يجب أن يكون مرتبطاً بتوفير ظروف آمنة وكريمة للعائدين.
تطالب “هيومن رايتس ووتش” الدول المانحة بتوفير دعم مالي كافٍ للنازحين داخل سوريا واللاجئين في دول الجوار، وذلك لتجنب تقديم حوافز تدفعهم إلى العودة قبل تحسن الظروف. كما شددت على أهمية إعفاء بعض المساعدات الإنسانية من القيود التي تفرضها العقوبات الدولية، لتسهيل وصولها إلى المناطق المتضررة في سوريا، خاصةً تلك التي تعاني من نقص حاد في الخدمات الصحية والإنسانية.
أخيرًا، يشير التقرير إلى أن الوضع الأمني والحقوقي في سوريا ما زال يشكل عائقاً كبيراً أمام عودة اللاجئين بشكل آمن، داعياً المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات جدية وفعالة لضمان حماية حقوق الإنسان، ومنع عودة مأساوية للسوريين إلى أوضاع لا تتوفر فيها أي من مقومات الأمان والاستقرار.