مقدمة
وسط المعاناة التي يعيشها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية التي صرخت بوجه نظام القمع والفساد، برزت منظمة الخوذ البيضاء، أو الدفاع المدني السوري، كحائط صد إنساني يحمل على عاتقه إنقاذ الأرواح في ظروف غاية في الصعوبة والخطر. يمثل أعضاء المنظمة فخراً لكل سوري، إذ يعملون على إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض، وإخماد الحرائق، وتقديم المساعدة الطبية والإغاثية في كل حدث طارئ، وأبرزها الزلزال المدمر في فبراير 2023، الذي زاد من محنتهم وكشف عن تضحياتهم وجهودهم البطولية.
نشأة وأهداف الخوذ البيضاء
تأسست منظمة الخوذ البيضاء في عام 2014 لتكون رديفاً للجهود الإنسانية في سوريا. تهدف إلى تقديم خدمات الإنقاذ والطوارئ وإغاثة المتضررين جراء الحرب والكوارث الطبيعية. وعلى الرغم من الصعوبات وقلة الإمكانيات، يعمل المتطوعون بحيادية ودون انحياز سياسي، مدفوعين برغبتهم في حماية المدنيين وصون كرامتهم.
تتطلب مهام الدفاع المدني السوري شجاعة وإصراراً في ظل الأوضاع الخطرة، حيث يخاطر المتطوعون بحياتهم لإنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض أو من وسط الحرائق. ويأتي زلزال فبراير 2023 كواحد من أبرز الأمثلة على عظمة هذا التفاني، حيث استمرت فرق الخوذ البيضاء في العمل على مدار الساعة لإنقاذ العالقين، وتقديم العون والمساعدة النفسية للمتضررين.
صمود أمام الكوارث البيئية
لم تقتصر تضحيات الخوذ البيضاء على التعامل مع آثار النزاع فقط، بل امتدت لتشمل مكافحة الحرائق التي تندلع في الأراضي الحراجية والزراعية شمالي سوريا. ففي إحدى عملياتها، تمكنت فرق الدفاع المدني من إخماد ثلاثة حرائق ضخمة اندلعت في ريفي حلب وإدلب، حيث استمرت ساعات طويلة وسط تضاريس صعبة. على سبيل المثال، أُخمد حريق في منطقة راجو بريف عفرين بعد 9 ساعات من العمل اليدوي في عزل النيران. كما تمكنت فرق الإطفاء من منع النيران من الانتشار إلى مساحات أكبر في منطقة بسبت بريف إدلب بعد 6 ساعات من العمل في تضاريس جبلية وعرة، مما ساهم في حماية نحو 100 دونم من التضرر.
تشهد المنطقة ارتفاعاً مستمراً في عدد الحرائق الحراجية، حيث زادت بنسبة كبيرة في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ما يعكس تفاقم تحديات الدفاع المدني في ظل موجة الحر المبكرة والأعشاب الكثيفة القابلة للاشتعال.
دعم دولي وشهادة فخر عالمية
تُعتبر الخوذ البيضاء رمزاً عالمياً للتضحية والإخلاص الإنساني، وقد نالت تقديراً دولياً وترشيحات لجائزة نوبل للسلام. يعكس هذا الدعم الدولي تقدير العالم لأهمية الدور الذي تؤديه المنظمة في ظروف استثنائية، ويساهم في تمكينها من مواصلة عملها وتوسيع نطاق خدماتها.
خاتمة: الخوذ البيضاء أمل يتجدد رغم الصعاب
تستمر الخوذ البيضاء في تقديم يد العون للسوريين كلما دعت الحاجة، وسط أزمات متتالية، وبتضحيات لا تُقدر بثمن. يعكس عزمهم وصمودهم روح الشعب السوري وتفانيه في إغاثة إخوانه رغم المصاعب. يمثل الدفاع المدني السوري مصدر فخر واعتزاز لكل سوري في المناطق المحررة، ويستحق التقدير كرمز للإنسانية والصمود.