في أواخر سبتمبر 2024، واجه لبنان أزمة إنسانية كبيرة تمثلت في نزوح آلاف اللبنانيين إلى سوريا هرباً من الضربات الإسرائيلية المتواصلة ضد حزب الله. كان هذا النزوح بمثابة فرصة جديدة للنظام السوري، بقيادة رأس الاجرام بشار الأسد، لاستغلال الوضع لعدة أهداف اقتصادية وسياسية، مشابهة لتلك التي استغل فيها كارثة الزلزال في عام 2023. النظام لم يتوانَ عن استغلال أزمة اللاجئين اللبنانيين ليظهر بصورة المنقذ أمام المجتمع الدولي، محاولًا تحقيق مكاسب متعددة، منها استجرار الدعم الإنساني والاقتصادي، وتوجيه رسائل سياسية إلى الداخل والخارج.
1. استجرار الدعم الإنساني
منذ اللحظات الأولى لتوافد اللاجئين اللبنانيين، سارع بشار الأسد لتوجيه مسؤوليه لإظهار الاهتمام بالأزمة، في محاولة لافتة منه لاستجرار الدعم الإنساني من المنظمات الدولية. التقى الأسد بتاريخ 8 أكتوبر مع فيليبو غراندي، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، ليؤكد له استعداد النظام للتعاون في معالجة الأزمة، وذلك على الرغم من التحديات التي يواجهها النظام السوري بسبب العقوبات الغربية. هذه التحركات ليست غريبة على الأسد؛ إذ سبق أن حاول توسيع نطاق الإعفاءات من العقوبات الغربية بعد كارثة الزلزال، من خلال إبراز نفسه كقائد قادر على استيعاب الأزمات وتقديم المساعدات الإنسانية، وهو تكتيك يسعى من خلاله إلى رفع العقوبات أو الحصول على مساعدات اقتصادية إضافية.
2. استجرار الدعم الاقتصادي
في إطار الأزمة اللبنانية، يعمل النظام على تضخيم معاناته الاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بأزمة النقل والمحروقات. هذه الأزمة، والتي ترتبط بشكل وثيق بتدفق اللاجئين، قد تكون أداة للضغط على إيران لتقديم مزيد من الدعم في مجال المشتقات النفطية، من خلال خط الائتمان المتفق عليه بين الجانبين. النظام السوري لطالما استفاد من هذا الاتفاق في تأمين جزء من احتياجاته النفطية، حيث يتلقى ما بين 25% و50% من احتياجاته اليومية من إيران. وبالإضافة إلى ذلك، يسعى النظام إلى استغلال الأزمة لمساومة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا لزيادة شحنات النفط التي يتم توريدها له، مقابل تقديم تنازلات سياسية وإعادة فتح المفاوضات الثنائية التي كانت متوقفة.
3. التغطية على الموقف السياسي من الحرب
من الناحية السياسية، يحاول النظام السوري إظهار دعمه للبنانيين في ظل غياب دعمه الواضح لحزب الله في مواجهته مع إسرائيل. بشار الأسد وحكومته التزموا بالتصريحات الدبلوماسية فقط، مثل الإدانة والمطالبة بالتدخل الدولي، دون اتخاذ أي خطوات عسكرية. في الوقت نفسه، يظهر النظام حماسةً أكبر في تقديم الدعم للاجئين اللبنانيين مقارنة بالسوريين المتضررين من الحرب الإسرائيلية. فقد وجه الأسد حكومته الجديدة لتقديم الدعم اللازم للبنانيين من حيث الصحة والإغاثة والنقل، في حين تتجاهل الحكومة إلى حد كبير احتياجات السوريين النازحين، مما يبرز استغلال النظام للأزمة لتوجيه الأنظار بعيداً عن موقفه السلبي تجاه الصراع.
4. تعزيز الانشقاق داخل الاتحاد الأوروبي
يحرص النظام السوري على استغلال ملف اللاجئين في تعزيز الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في ما يتعلق بموقف أوروبا من التعامل مع النظام. يعمل النظام على إقناع الأوروبيين بأن مناطق سيطرته أصبحت جاهزة لاستقبال اللاجئين السوريين العائدين من لبنان، وأن استقباله لهم ينبغي أن يقابَل بإعادة العلاقات معه ورفع العقوبات. وفي ظل الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي حول قضية اللاجئين، يحاول النظام تقديم نفسه كجزء من الحل، مستغلاً انقسام دول أوروبية مثل إيطاليا التي تقود جهوداً لإعادة تقييم العلاقات مع دمشق.
الخاتمة
من خلال استغلال أزمة اللاجئين اللبنانيين، يسعى النظام السوري إلى تكرار استراتيجيته القديمة في استثمار الأزمات لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. وبينما يروج الأسد لصورة المنقذ أمام المجتمع الدولي، فإن سياساته الداخلية تُظهر تناقضاً كبيراً، حيث يستخدم المساعدات الإنسانية كأداة سياسية دون أن يُبدي أي نية حقيقية لتغيير سلوكه السياسي أو الأمني. ومع استمرار توظيف النظام للأزمات الإنسانية، يبقى هدفه الأكبر هو ضمان استمرارية حكمه وتعزيز موقفه على الساحة الدولية، حتى لو كان ذلك على حساب معاناة شعبه والشعوب المجاورة.