في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، عرضت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا على ألمانيا استقبال السوريين المرحلين، بمن فيهم المشتبه بهم أو المدانون بجرائم، كبديل عن ترحيلهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري. هذا العرض يأتي في وقت حساس عقب حادثة الطعن في زولينغن، التي فجرت نقاشاً حاداً في ألمانيا حول كيفية التعامل مع اللاجئين السوريين المتورطين في قضايا إجرامية.
شهدت مدينة زولينغن الألمانية حادثة مروعة حيث أقدم لاجئ سوري على طعن ثلاثة أشخاص خلال مهرجان، ما أثار صدمة في الرأي العام الألماني. الهجوم دفع تنظيم “داعش” للترحيب بالجاني كعضو في صفوفه، مما زاد من حدة النقاش حول مسألة ترحيل اللاجئين السوريين المتورطين في أعمال إجرامية. بعد هذه الحادثة، تجددت المطالبات بتسريع عمليات الترحيل، لا سيما بعد قرار المحكمة الإدارية العليا في مونستر، الذي أشار إلى أن الأوضاع في سوريا لا تشكل تهديداً كبيراً على الحياة والسلامة الجسدية للمدنيين.
مع تصاعد الجدل في ألمانيا، أعلنت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية قسد“، عن عرض لاستقبال السوريين المرحلين، بمن فيهم المشتبه بهم أو المدانون بجرائم، من ألمانيا. وقدمت “الإدارة الذاتية” هذا العرض كبديل للتعامل مع النظام السوري الذي يتهم بأنه يدير مؤسسات قمعية وفاسدة. تسعى أحمد للترويج لهذا الحل كجزء من تعزيز التعاون مع الحكومة الألمانية، وتخفيف الضغوط التي تمارسها ألمانيا فيما يتعلق بترحيل المجرمين.
في محاولة لتقديم المنطقة التي تديرها “الإدارة الذاتية” كوجهة آمنة، صرحت إلهام أحمد أن شمال شرقي سوريا يتمتع باستقرار نسبي مقارنة ببقية المناطق السورية. وفقاً لأحمد، فإن المنطقة تضم أكثر من 100 ألف عنصر أمني، و4500 مدرسة، وتعمل على تعزيز المساواة وحرية الأديان وتعدد اللغات الرسمية. كما أشارت إلى أن المنطقة تحتوي على معظم الموارد الطبيعية لسوريا، مثل النفط والغاز والقمح، مما يجعلها قادرة على استيعاب المرحلين.
ومع ذلك، تتعارض هذه الصورة مع التقارير الحقوقية التي توثق الانتهاكات المستمرة في مناطق “الإدارة الذاتية”، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والاعتداءات على حقوق المدنيين، وغياب الخدمات الأساسية. إضافة إلى ذلك، تشهد المنطقة حالة من الفلتان الأمني والهجمات المتكررة من تنظيم “داعش” والخلايا الإرهابية الأخرى، فضلاً عن التوترات المتزايدة مع تركيا على الحدود.
استغلال سياسي للمشهد
لا يمكن فصل عرض “الإدارة الذاتية” عن الأبعاد السياسية التي تحيط به. من الواضح أن “الإدارة الذاتية” تسعى لاستغلال قضية المرحلين السوريين لتعزيز موقفها الدولي وكسب الدعم الغربي، خصوصاً في ظل افتقارها للاعتراف الرسمي من الدول الكبرى. وفي حين تدعو أحمد إلى دعم إعادة الإعمار والبنية التحتية، فإن التحديات الأمنية والاقتصادية في المنطقة تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار المطلوب لاستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين.
من جانبها، حذرت أحمد من خطورة إعادة المرحلين إلى دمشق، معتبرة أن النظام السوري قد يستغلهم لإرسالهم مجدداً إلى أوروبا، مما يشكل تهديداً أمنياً إضافياً على الدول الأوروبية.
على الرغم من الضغوط المتزايدة في ألمانيا بشأن هذه القضية، لم ترد الحكومة الألمانية بعد على العرض الذي قدمته “الإدارة الذاتية”. يعود التردد الألماني في قبول هذا العرض إلى الجدل القانوني حول شرعية “الإدارة الذاتية” ووضعها السياسي، إضافة إلى المخاوف الأمنية والاقتصادية المرتبطة باستقبال المرحلين في منطقة غير مستقرة.
الخاتمة:
استغلال سياسي أم حل إنساني؟
في نهاية المطاف، يبدو أن عرض “الإدارة الذاتية” هو جزء من استراتيجيتها لكسب الاعتراف الدولي وتحقيق مكاسب سياسية. بينما يمكن أن يُنظر إلى هذا العرض كحل إنساني للتعامل مع أزمة اللاجئين المرحلين، إلا أنه يظل محاطاً بالشكوك حول قدرة “الإدارة الذاتية” على توفير بيئة آمنة ومستقرة لهم. في ظل غياب الاعتراف الدولي والتهديدات الأمنية المتواصلة، يبقى مصير هذا العرض غير مؤكد، وربما يكون جزءاً من استغلال سياسي صارخ للمشهد الحالي.