في واحدة من أعنف الضربات الإسرائيلية على قوات الأسد والقوات الإيرانية الرديفة كما يسميها أعوان النظام، استهدفت غارات جوية مدمرة مدينة مصياف الواقعة غربي حماة، لتتحول الليلة التي تزامنت مع الضربة إلى حدث مفصلي في الساحة السورية. وقد جاءت هذه الضربة بشكل مختلف عن الضربات الجوية المعتادة، حيث رافقتها عملية إنزال جوي نوعية أدت إلى اشتباكات عنيفة على الأرض، وأثارت تساؤلات كبيرة حول مدى تواطؤ جهات داخلية في تسهيل هذه العملية.
تفاصيل..
مصياف، المدينة التي تتمتع بموقع استراتيجي وتضم عدة مراكز أبحاث ومواقع عسكرية تابعة للنظام وحلفائه الإيرانيين، شهدت في الأشهر والسنوات الماضية عدة ضربات إسرائيلية، ولكن الهجوم الأخير يحمل في طياته تفاصيل غير مسبوقة. فهذه الضربة لم تكن مجرد غارة جوية، بل تزامنت مع عملية إنزال جوي مثيرة للجدل، أضافت بعداً جديداً للصراع الإسرائيلي الإيراني على الأرض السورية.
استهدفت الضربة مركزاً للأبحاث العسكرية يُستخدم في إنتاج الأسلحة الكيميائية. يُعد هذا المركز واحداً من المواقع التي تشرف عليها القوات الإيرانية بشكل مباشر، ويخضع لحماية مشددة من قبل النظام السوري. ويأتي هذا الاستهداف في سياق محاولات إسرائيل المتكررة لإضعاف قدرات إيران العسكرية في سوريا، ولمنعها من نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله اللبناني.
وفقاً لما تم تداوله من معلومات مؤكدة، لم تقتصر الضربة الإسرائيلية على غارات جوية، بل شهدت إنزالاً جوياً تم تنفيذه من مروحيات إسرائيلية حامت في سماء المنطقة المستهدفة دون الهبوط على الأرض. تم تنفيذ الإنزال باستخدام الحبال، في عملية دقيقة تزامنت مع تدمير الطائرات المسيّرة الإسرائيلية لجميع سيارات مفرزة أمن النظام المتواجدة في المكان، ما أدى إلى عزل المنطقة بشكل كامل وقطع جميع الطرق المؤدية إلى الموقع المستهدف.
خلال العملية، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الفريق الإسرائيلي وقوات الأسد المتواجدة، وأسفرت عن مقتل ثلاثة وإصابة آخرين، بينهم مدنيون، في حين تمكنت القوات الإسرائيلية من أسر شخصين إيرانيين، يعتقد أنهما من الخبراء العاملين في المركز المستهدف.
من بين الأهداف الرئيسية للضربة الإسرائيلية كان تدمير أنظمة الدفاع الجوي ورادارات حديثة تم نشرها في المنطقة. الرادارات، التي تعد جزءاً من شبكة الدفاع الجوي السورية، كانت تغطي جزءاً كبيراً من الساحل السوري. الضربة استهدفت عدة رادارات متطورة من طراز “JYL-1” و “P-18″، ما تسبب في فقدان النظام السوري قدراته على كشف التسللات الجوية على مسافة تصل إلى 350 كيلومتراً.
هذه الخسائر في القدرات الدفاعية تعني أن الساحل لسوري بات مكشوفاً إلى حد كبير أمام الطائرات الإسرائيلية، ما يمنح تل أبيب حرية أكبر في تنفيذ هجمات مستقبلية دون الخوف من اعتراضات مؤثرة. كما يشير تدمير هذه الأنظمة إلى هشاشة البنية الدفاعية للنظام السوري، التي أصبحت تعتمد بشكل أساسي على عتاد قديم وغير فعال في مواجهة التقنيات الحديثة.
مؤشرات على تواطؤ داخلي؟
رغم السرية العالية التي تحيط بمثل هذه العمليات العسكرية، أشارت بعض المصادر إلى احتمال وجود تعاون أو تسريبات من داخل النظام السوري، ساعدت في نجاح العملية الإسرائيلية. فمن المعروف أن مركز الأبحاث في مصياف يخضع لإجراءات أمنية صارمة للغاية، ومن غير المعتاد أن يتمكن فريق أجنبي من تنفيذ عملية إنزال في منطقة بهذه الحساسية دون وجود تنسيق مسبق أو تسريبات داخلية.
الأدلة التي تدعم هذا الاحتمال تتجلى في دقة العملية والتزامن المثالي بين الضربات الجوية والاشتباكات البرية، فضلاً عن استهداف مواقع حساسة مثل مركز الاتصالات الروسي على “جبل المشهد العالي”. الضربة التي أصابت أيضاً خبير رادارات روسي، كانت على ما يبدو موجهة بدقة نحو أهداف محددة بشكل مسبق.
بعد العملية، ساد جو من التوتر داخل الأوساط العسكرية والأمنية للنظام، ما دفعها إلى تشكيل لجنة تحقيق رفيعة المستوى تضم قيادات من الدفاع الجوي والاستطلاع والحرب الإلكترونية. الهدف من هذه اللجنة هو التحقيق في الظروف المحيطة بالضربة الإسرائيلية، وتقييم الأضرار، والتحقيق في احتمالات وجود خروقات أمنية أو تسريبات.
من ناحية أخرى، أدت العملية إلى تعطيل حركة القوات السورية في المنطقة لعدة ساعات، حيث عجزت عن الوصول بسرعة إلى المواقع المستهدفة بسبب تدمير الطرق والجسور المؤدية إليها. وقد أفادت مصادر بأن قوات النظام اضطرت إلى الانتقال سيراً على الأقدام إلى مواقع الضربات، نتيجة للدمار الكبير الذي لحق بالمنطقة.
الخاتمة:
الضربة الإسرائيلية الأخيرة على مصياف تحمل عدة دلالات استراتيجية قد تؤثر على مسار الحرب في سوريا. فمن ناحية، أظهرت هذه الضربة ضعف النظام السوري وحلفائه في حماية مواقعهم الاستراتيجية، ومن ناحية أخرى، أكدت استمرار إسرائيل في تبني سياسة الهجمات الاستباقية لمنع إيران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.
السؤال هوا كيف سيواجه النظام السوري إعادة بناء قدراته الدفاعية التي تضررت بشكل كبير، في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية، والتي تستهدف بشكل متكرر تعزيزات النظام العسكرية والبنية التحتية الدفاعية. كما أن الضربات المتتالية على مواقع الدفاع الجوي تكشف عن استراتيجية إسرائيلية متطورة تهدف إلى إضعاف قدرة النظام على الرد أو التصدي لأي هجوم مستقبلي.
يمكن القول إن الهجوم الإسرائيلي على مصياف يمثل مرحلة جديدة من التصعيد في الصراع السوري، وقد يترتب عليه تداعيات بعيدة المدى على توازن القوى في المنطقة. سيبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن النظام السوري وحلفاؤه من الرد على هذه الضربات، أم أن إسرائيل ستواصل فرض هيمنتها الجوية على سوريا دون مقاومة تُذكر؟