إيران تحاول إيجاد بوابة على البحر المتوسط
منذ بداية تدخلها العسكري المباشر في سورية، سعت إيران إلى ترسيخ وجودها العسكري في البلاد بمختلف أشكاله، وكانت القوات البحرية جزءاً أساسياً من هذه الإستراتيجية. بعد أن أسست النقطة العسكرية البحرية في طرطوس مطلع عام 2024، واجهت إيران تحديات كبيرة لتحويل هذه النقطة إلى قاعدة بحرية متكاملة، على غرار القواعد العسكرية التي تشرف عليها في المناطق البرية. ولكن يبدو أن الطريق نحو تحقيق هذا الهدف مليء بالعقبات.
العقبات التي تواجه مشروع خامنئي في المتوسط
الطبيعة الجغرافية للسواحل السورية تعدّ من أبرز التحديات التي تعترض طريق إيران نحو توسعة وجودها البحري. فالسواحل المطلة على البحر المتوسط تتفاوت بين أعماق كبيرة ومناطق ضحلة، بالإضافة إلى وجود مناطق صخرية ورملية تشكل تحدياً كبيراً للملاحة البحرية. على سبيل المثال، يعتبر مرفأ البيضا في طرطوس (ثكنة الحارثي) واحداً من الأماكن التي تواجه صعوبات كبيرة في استقبال القطع البحرية، حيث أن إدخال زوارق صاروخية رباعية إليه يتم بصعوبة بالغة، مما يعكس محدودية القدرة على استقبال معدات بحرية أكبر حجماً.
إضافة إلى ذلك، تفتقر إيران إلى الأسلحة والقطع البحرية التي تحتاجها أي قاعدة بحرية متكاملة. هذا يشمل الطرادات، المدمرات، الزوارق الصاروخية، الغواصات، والطيران البحري، فضلاً عن بناء رصيف خاص وتحمل تكلفته المالية المرتفعة. هذه الصعوبات التقنية تجعل من الصعب على إيران تحقيق التكامل العسكري المطلوب في هذه القاعدة، مما يعطل خططها لتوسعة نفوذها البحري.
التحديات السياسية:
من الناحية السياسية، تواجه إيران تحديات كبيرة، أبرزها التواجد العسكري الروسي في طرطوس. كانت روسيا قد أسست نقطة إمداد لوجستية في طرطوس قبل عام 2011، ومنذ ذلك الحين عملت على توسيعها وتحويلها إلى قاعدة عسكرية متكاملة. اليوم، تسيطر روسيا على جزء من الرصيف العسكري في طرطوس وتستخدمه لتعزيز وجودها في المنطقة، وهي بالتالي لن تسمح لإيران بإنشاء وجود عسكري بحري منافس على مقربة من قاعدتها. هذا التنافس بين الحليفين المفترضين يعكس تعقيدات التوازنات الإقليمية والصراع على النفوذ في سورية.
كما تشكل إسرائيل تهديداً آخر لمساعي إيران البحرية، حيث نفذت في السنوات الأخيرة سلسلة من الهجمات الجوية على مواقع إيرانية في سورية، كان آخرها في 1 مارس 2024، والذي أسفر عن مقتل قيادي بارز في الحرس الثوري الإيراني. هذه الهجمات تشكل رسالة واضحة من إسرائيل بأنها لن تتسامح مع أي توسع إيراني على الأراضي السورية، وخاصة إذا كان يشمل قدرات عسكرية بحرية تهدد أمنها.
الأهداف الإيرانية: بين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية
تسعى إيران من خلال هذا التوسع إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية. فإضافة إلى تعزيز وجودها العسكري، ترغب إيران في تأمين مصالحها الاقتصادية عبر البحر المتوسط، بما في ذلك إحياء خط أنابيب النفط العراقي-السوري “كركوك-بانياس”، والذي يشكل أحد المحاور الاقتصادية المهمة لإيران في المنطقة. كما تطمح إيران إلى تأمين بديل عن السواحل اللبنانية، خاصة بعد استهداف مرفأ بيروت، وتحقيق قدرة على مراقبة وتنسيق حركة السفن الحربية والتجارية في البحر المتوسط.
لكن ورغم هذه الطموحات، فإن إيران لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها البحرية. إذ تشير المعطيات على الأرض إلى أن وجودها البحري في سورية لا يزال متواضعاً، ويقتصر على بعض التحركات الدفاعية التي تهدف إلى حماية نقاطها العسكرية من أي هجوم محتمل. هذا الوجود الدفاعي يعكس التحديات الكبيرة التي تواجهها إيران في تحقيق نفوذ بحري هجومي متكامل في سورية.
بناءً على ما سبق، يتضح أن إيران تواجه عقبات كبيرة في سعيها لإيجاد بوابة على البحر المتوسط عبر سورية. ورغم أن هذه العقبات تشمل عوامل جغرافية وتقنية وسياسية، إلا أن الأهم هو أن هذه التحديات مجتمعة تضعف من قدرة إيران على تحقيق أهدافها البحرية. وفي ظل هذه الصعوبات، قد تكون الاستراتيجية الإيرانية في سورية بحاجة إلى مراجعة، خاصة إذا كانت تسعى لتحقيق توازن مع القوى الأخرى المتواجدة في المنطقة.
الخاتمة:
تبقى مساعي إيران لتعزيز نفوذها البحري في سورية مقيدة بمجموعة من العوامل التي تجعل من الصعب تحقيق نجاح كبير في هذا المجال. ورغم أن هذه المساعي تعكس طموحات إيرانية كبيرة، إلا أن الواقع على الأرض يفرض قيوداً تحد من قدرة إيران على تحقيق هذه الطموحات في المستقبل القريب.
أعتقد إننا مقبلين على ترتيبات جديدة من شأنها إنهاء الحلم الإيراني في سوريا .الظروف في الوقت الحالي بين المد والجزر..وعلينا الإنتظار