للمرة الأولى، علق النظام السوري على التصريحات التركية والمبادرات الرامية لتطبيع العلاقات بين الجانبين، وذلك بعد فترة طويلة من الصمت. وقد أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً يشير إلى موقفها من هذه المبادرات، مؤكدة على موقفها المبدئي والرافض للتصادم والعدائية.
شروط النظام للتطبيع مع تركيا
وشددت وزارة الخارجية في بيانها على أن أي مبادرة لتحسين العلاقات بين سوريا وتركيا يجب أن تستند إلى أسس واضحة تضمن الوصول إلى النتائج المرجوة، والتي تتضمن:
- احترام السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي.
- مواجهة كل ما يهدد أمن واستقرار البلدين.
- انسحاب القوات التركية غير الشرعية من الأراضي السورية.
- مكافحة المجموعات الإرهابية.
في بيانها، أوضحت وزارة الخارجية السورية أنها تميز دائماً بين الشعوب وسياسات الحكومات، مشيرة إلى أن سياسات الحكومات التركية السابقة ألحقت الأذى بسوريا ودول أخرى. وأكد البيان أن النظام السوري “كان حريصاً وما زال ينطلق من القناعة الراسخة بأن مصلحة الدول تبنى على العلاقة السليمة فيما بينها وليس على التصادم أو العدائية”.
وأضافت الوزارة أن سوريا تعاملت بإيجابية مع مختلف المبادرات التي طرحت لتحسين العلاقات بينها وبين تركيا، مشددة على أن هذه المبادرات يجب أن تُبنى على أسسٍ واضحةٍ تضمن الوصول إلى النتائج المرجوة، وأهمها احترام السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي.
أحد الشروط الرئيسية التي يتمسك بها النظام السوري هو انسحاب القوات التركية الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، بالإضافة إلى مكافحة المجموعات الإرهابية. وأعربت وزارة الخارجية عن شكرها للدول التي تبذل “جهوداً صادقة لتصحيح العلاقة” بين تركيا والنظام، مؤكدة أن عودة العلاقات الطبيعية بين الجانبين يجب أن تستند إلى الوضع الذي كان سائداً قبل عام 2011.
التصريحات التركية
من جانبها، أكدت تركيا خلال الفترة الماضية رغبتها في إعادة العلاقات مع النظام السوري. وأبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، مشيراً إلى إمكانية عقد اللقاء في تركيا أو في دولة ثالثة. وأوضح المسؤولون الأتراك أن الهدف من هذا التطبيع هو إيجاد حلول مشتركة لقضايا عدة، من بينها وجود حزب العمال الكردستاني في شمال شرقي سوريا، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
ورغم هذه التصريحات، فإن تقريراً لوكالة أسوشيتد برس استبعد حدوث خرق كبير في العلاقات بين تركيا والنظام السوري في الوقت القريب، نظراً لحجم الخلافات الكبير بين الجانبين. وأشار التقرير إلى أن الطرفين ينتظران نتائج الانتخابات الأميركية لاتخاذ القرارات الحاسمة في هذا المسار.
المراوغة السياسية والتناقضات
من أولى النقاط التي تبرز في هذا البيان هي المراوغة السياسية والتناقض الواضح في خطاب النظام. بينما يدّعي البيان أن النظام يميز بين الشعوب وسياسات الحكومات، فإن الواقع يظهر أن سياسات النظام وممارساته القمعية هي التي دمرت النسيج الاجتماعي والاقتصادي في سوريا. النظام السوري يتحدث عن الحرص على السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي السورية، في حين أنه هو من فتح الباب أمام التدخلات الأجنبية، سواءً من روسيا أو إيران، التي باتت تسيطر بشكل كبير على القرار السيادي السوري.
عدم الجدية في مكافحة الإرهاب
يتحدث البيان عن مكافحة الإرهاب وكأن النظام السوري هو الحامي الوحيد للأمن والاستقرار في المنطقة. لكن الحقيقة المؤلمة هي أن النظام استخدم قضية مكافحة الإرهاب كذريعة لقمع المعارضة وتشريد الملايين من السوريين. كانت ممارسات النظام الوحشية، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، هي التي ساهمت في تفاقم الأوضاع الإنسانية وتشجيع التطرف.
انسحاب القوات التركية
يركز البيان على ضرورة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية كشرط أساسي لتحسين العلاقات. هذا المطلب، يتجاهل الواقع الميداني المعقد والمصالح الأمنية التركية. تركيا، التي تعاني من تهديدات حقيقية من قبل تنظيمات إرهابية على حدودها، لا يمكنها ببساطة الانسحاب دون ضمانات حقيقية لأمنها. يتجاهل النظام بشكل متعمد الأسباب التي دفعت تركيا للتدخل في الشمال السوري، وهي نفس الأسباب التي فشل النظام في معالجتها.
المبادرات الدولية
شكر النظام للدول التي تحاول تصحيح العلاقات يعكس محاولة للاستفادة من الجهود الدولية دون تقديم تنازلات حقيقية. يتجاهل البيان أن هذه الدول نفسها تدرك أن النظام السوري هو العقبة الرئيسية أمام تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. الشكر لا يغير من حقيقة أن النظام يفتقر إلى الشرعية الدولية ويتعرض لعزلة سياسية واقتصادية خانقة.
العودة إلى ما قبل 2011
الحديث عن العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل 2011 يعكس رغبة النظام في تجاهل الواقع الجديد الذي فرضته سنوات الحرب. النظام يسعى لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء دون الاعتراف بأن سياساته القمعية هي التي أشعلت الثورة السورية. العودة إلى ما قبل 2011 تعني بالنسبة للنظام استمرار الهيمنة الأمنية والسياسية دون تقديم أي تنازلات حقيقية أو إصلاحات.
التطبيع مع الأسد خيانة
بالنسبة للكثيرين من السوريين، وخاصة النازحين في المناطق المحررة، يمثل الحديث عن التطبيع مع نظام بشار الأسد خيانة للثورة ولدماء الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحرية والكرامة. بعد أكثر من عقد من الصراع والمعاناة، يشعر السوريون أن أي محاولة لتطبيع العلاقات مع النظام تعني تجاهل الجرائم البشعة التي ارتكبها بحق شعبه، من قصف للمناطق المدنية واستخدام الأسلحة الكيميائية إلى التعذيب والاعتقالات العشوائية.
تجسد هذه الخطوة في أعينهم نوعاً من القبول الضمني بسياسات القمع والفساد التي كانت السبب الرئيسي في اندلاع الثورة. ويشعر النازحون الذين عانوا من التشرد وفقدان أحبائهم أن تطبيع العلاقات مع الأسد يعني نسيان تلك التضحيات الكبيرة وإعطاء النظام فرصة لإعادة فرض سيطرته دون محاسبة أو مساءلة.
كما أن التطبيع مع الأسد يعتبر بمثابة خيانة للتطلعات المستقبلية للشعب السوري في بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتضمن العدالة والمساواة. ويخشون أن يؤدي هذا التطبيع إلى إطالة أمد معاناتهم ويمنعهم من العودة إلى ديارهم في ظل ظروف آمنة ومستقرة.
في النهاية، يرى السوريون أن أي عملية تطبيع يجب أن تكون مشروطة بمحاسبة النظام على جرائمه وإطلاق سراح المعتقلين وضمان تحقيق انتقال سياسي حقيقي يلبي تطلعات الشعب في الحرية والكرامة والعدالة. دون تحقيق هذه الشروط، يبقى التطبيع مع الأسد خيانة لكل من ناضل وضحى من أجل مستقبل أفضل لسوريا.
أردوغان خان الأمانة: ما يقوله النازحون في الشمال السوري المحرر
يشعر النازحون في الشمال السوري المحرر بخيبة أمل عميقة تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذين يعتبرونه قد خان الأمانة التي وعد بها. بعد سنوات من الدعم الذي قدمته تركيا للمعارضة السورية وللنازحين، يرون الآن أن سياسات أردوغان قد تغيرت بشكل كبير، مما أدى إلى تراجع الدعم وزيادة الضغوط عليهم. يعيش هؤلاء النازحون في ظروف صعبة، يعانون من نقص الخدمات الأساسية والاحتياجات الضرورية، في ظل تزايد التوترات والمخاوف من تقارب محتمل بين تركيا والنظام السوري. يعتبر العديد من النازحين أن أردوغان، الذي كان يُنظر إليه سابقاً كحليف وحامي، قد تخلى عنهم في وقت هم في أمس الحاجة إلى الدعم، مما يزيد من شعورهم بالغضب والخيبة.