في تطور مثير للجدل في السياسة الألمانية، اتفق وزراء داخلية الولايات الألمانية على ضرورة ترحيل اللاجئين المجرمين والذين يشكلون تهديدات إرهابية خطيرة إلى سوريا وأفغانستان. هذا القرار جاء في ختام مؤتمر وزراء الداخلية الذي استمر ثلاثة أيام في مدينة بوتسدام شرقي البلاد، وبالتزامن مع اجتماع المستشار الألماني أولاف شولتس مع رؤساء وزراء الولايات الاتحادية في برلين. وأكد شولتس أن حكومته مستمرة في الدفع بهذا الاتجاه، مشيراً إلى أن المفاوضات جارية مع الدول المجاورة لتنظيم عمليات الترحيل.
اتفاق على الترحيل
في ختام مؤتمر وزراء الداخلية، أوضحت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر أن “المفاوضات جارية بالفعل مع الدول التي يمكن من خلالها تنظيم عمليات الترحيل”. وذكرت أن ألمانيا لا تربطها حالياً علاقات مباشرة مع طالبان في أفغانستان أو النظام السوري، مما يجعل من المرجح تنظيم عمليات الترحيل عبر دول الجوار. وأضافت فيزر أن هناك اتصالات مع السلطات في أوزبكستان وأشارت إلى أن مفاوضات جارية مع الدول المجاورة لسوريا. كما أكدت على ضرورة إعادة تقييم الوضع في سوريا، معبرة عن ثقتها في حل هذه المسألة بالتعاون مع وزيرة الخارجية أنالينا بايربوك.
تأجيل حل “الدولة الثالثة” لطالبي اللجوء
بينما اتفق الوزراء على ضرورة ترحيل اللاجئين المجرمين، تم تأجيل نتائج دراسة ما يسمى بحل “الدولة الثالثة” لطالبي اللجوء إلى ديسمبر المقبل. هذه الخطة، التي تدفع بها أحزاب “الاتحاد المسيحي”، تهدف إلى نقل إجراءات اللجوء إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي. وقد رحب العديد من الولايات الاتحادية بهذا الاتجاه، خاصة في ضوء حادثة مقتل شرطي على يد لاجئ أفغاني في مدينة مانهايم. مع ذلك، شدد المستشار شولتس على أن التوقعات حول نموذج “الدولة الثالثة” قد لا تؤدي إلا إلى تقليل عدد طالبي اللجوء ببضعة آلاف فقط.
هذا القرار أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية. فبينما يرى بعض السياسيين، مثل وزير الداخلية في ولاية بافاريا يواخيم هيرمان، أن منح الحماية للسوريين قد عفا عليه الزمن، وأكد على ضرورة إعادة تقييم الوضع في سوريا وتصنيف بعض المناطق على أنها آمنة، تعارض وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر هذا الاتجاه مؤكدة أن “الحماية صحيحة لأننا نعلم أن الناس هناك لا يزالون يتعرضون للاضطهاد الشديد”.
بطاقة الدفع لطالبي اللجوء
كما اتفق رؤساء وزراء الولايات الاتحادية على تفعيل نظام بطاقة الدفع لطالبي اللجوء، حيث يسمح بسحب مبلغ نقدي قدره 50 يورو شهرياً فقط، بينما يتم استخدام المبلغ المتبقي الذي يقارب 410 يورو عبر البطاقة الإلكترونية. الهدف من هذا النظام هو منع تحويل الأموال إلى عائلاتهم في الخارج أو إلى المهربين، وتقليل حوافز الهجرة غير النظامية إلى ألمانيا. ومع ذلك، ترى رابطة المدن الألمانية أن هناك العديد من الأسئلة التي لم تجب بعد حول تطبيق هذا النظام بشكل عملي وموحد.
واجهت الخطط الألمانية الجديدة انتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان. فمثلاً، انتقدت منظمة “برو أزول” الألمانية نموذج “الدولة الثالثة”، معتبرة أنه لن يحل التحديات التي تواجهها ألمانيا بل سيتسبب في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. دعت هذه المنظمة، إلى جانب أكثر من 300 منظمة أخرى، الحكومة الألمانية إلى رفض هذه المقترحات والتركيز بدلاً من ذلك على تعزيز نظام الحماية داخل ألمانيا وأوروبا.
في المجمل، تظل مسألة الترحيل إلى سوريا وأفغانستان وإجراءات اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي مثار جدل كبير داخل ألمانيا، مع وجود انقسام واضح بين القوى السياسية المختلفة وبين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني. يبقى من المهم متابعة التطورات المستقبلية لمعرفة كيفية تنفيذ هذه السياسات وتأثيرها على اللاجئين وحقوق الإنسان في ألمانيا.