مقدمة
منذ عام 2013 وإسرائيل تشن ضربات جوية ضد الوجود الإيراني في سورية. ومنذ اندلاع الحرب على غزة مطلع تشرين الأول 2023، زادت وتيرة هذه الضربات بشكل ملحوظ، حيث نفذت إسرائيل ما لا يقل عن 40 ضربة حتى نهاية أيار2024، وهو معدل مرتفع مقارنة مع الفترة ذاتها خلال الأعوام السابقة والتي لم تزد الضربات فيها عن 22 ضربة. تهدف هذه الضربات إلى منع إيران من استخدام الأراضي السورية كقاعدة انطلاق بقدرات عسكرية نوعية، مثل المسيرات والصواريخ، لعملياتها العسكرية ضد إسرائيل والمنطقة.
أهداف الضربات الإسرائيلية
تفاوتت طبيعة الأهداف التي ضربتها إسرائيل بما يتناسب مع كل مرحلة، إلا أنها لم توقف أنشطة إيران المتزايدة في سورية. تتمثل هذه الأنشطة في السيطرة على قواعد عسكرية متقدمة كالفوج 89 في درعا، وإنشاء الميليشيات الرديفة لقوات النظام السوري من العناصر المحليين ومن عناصر الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية.
كان الهدف الأساسي للضربات الإسرائيلية في سورية منع إيران من استخدام الأراضي السورية كقاعدة انطلاق بقدرات عسكرية نوعية مثل المسيرات والصواريخ لعملياتها العسكرية ضد إسرائيل. وقد عبر وزير الاستخبارات الإسرائيلية كاتز عام 2018 عن ذلك، مؤكداً على عزم إسرائيل الرد بقوة ضد أي هدف إيراني في سورية يمكن أن يهدد أمن إسرائيل، مشيراً إلى أن قوات الدفاع الجوية التابعة للنظام السوري ستدفع الثمن إذا تدخلت.
عملت إسرائيل على التنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا، حيث أنشأت الخط الساخن مع روسيا بعد تدخلها العسكري أواخر عام 2015، لمنع الاشتباكات وغيرها من الحوادث خلال الضربات في سورية. استضافت إسرائيل منتصف عام 2019 الاجتماع الأمني الثلاثي في القدس، حيث تم الاتفاق على ألا تكون سورية قاعدة لتهديد جيرانها وتعزيز الرقابة على المناطق الحدودية، لتقليص حجم الأسلحة التي تنقلها إيران عبر سورية إلى حزب اللات في لبنان.
الضربات الإسرائيلية قبل الحرب على غزة
اعتمدت إيران لترسيخ نفوذها في سورية على الميليشيات وزيادة تسليحها، فضلاً عن استخدام أدوات القوة الناعمة. التي يقودها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الميليشيات الإيرانية في سورية من خلال عدد من المستشارين العسكريين. تنشط حالياً في سورية ما لا يقل عن 15 ميليشيا إيرانية، بعضها فروع لميليشيات عراقية، وبعضها الآخر تم تأسيسها في سورية.
تعرضت المنشآت الإيرانية في سورية منذ تدخلها العسكري إلى حين اندلاع الحرب في غزة لما لا يقل عن 160 ضربة إسرائيلية. اعتمدت إسرائيل نهاية عام 2017 استراتيجية جديدة لمواجهة نفوذ إيران في سورية، حيث زاد في تلك الأثناء عدد ضرباتها ضد المنشآت الإيرانية في سورية. هدفت الاستراتيجية لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: منع تعاظم قدرات الميليشيات الإيرانية، التشويش على أنشطتها بما يربك خططها لشن عمليات ضد إسرائيل، ورفع مستوى الردع.
قبل حرب غزة، كانت إسرائيل تركز على استهداف مراكز البحوث العلمية وبعض الوحدات العسكرية التي تحتوي على الصواريخ والطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي، إضافة إلى قوافل الإمداد العسكري للميليشيات الإيرانية. كما ركزت على مواقع الميليشيات الإيرانية في دمشق ومحيطها والمنطقة الجنوبية في محاولة لمنع إقامة مراكز عمليات تابعة للميليشيات قرب الحدود.
الضربات الإسرائيلية بعد الحرب على غزة
بعد اندلاع الحرب في غزة، زاد معدل الضربات الإسرائيلية في سورية بشكل غير مسبوق منذ عام 2013، حيث بلغ عددها خلال الفترة بين مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وأيار/ مايو 2024 حوالي 60 ضربة. هذه الزيادة الكبيرة تهدد عمليات الإمداد والتخزين والقيادة للميليشيات الإيرانية في سورية.
مستقبل الوجود الإيراني في سورية
تسعى إيران لتعزيز نفوذها في سورية عبر اتباع نهج “الصبر الإستراتيجي“، متجنبة الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. تعوّل إيران على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة للحفاظ على الحد الأدنى من نفوذها الذي أسسته بعد عام 2011.
بالمقابل، تعمل إيران على تعزيز نفوذها ضمن المؤسسة العسكرية للنظام السوري، والتغلغل أكثر في البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فضلاً عن التعاون مع روسيا لتوفير الغطاء العملياتي واللوجستي لنفوذها. على المدى المتوسط والبعيد، لا يبدو أن الضربات الإسرائيلية يمكن أن تقوض نفوذ الميليشيات الإيرانية بشكل كامل، لكنها قادرة على تعطيل جهود إيران الرامية لتحويل سورية إلى قاعدة عمليات متقدمة تستخدمها لتنفيذ مهام ضدّ إسرائيل.
التحديات التي تواجهها إيران في سورية
إلى جانب الضربات الإسرائيلية، تواجه الميليشيات الإيرانية تحديات أخرى، منها:
- انخراط الأردن في تنفيذ عمليات ضد أنشطتها: الأردن يساهم في عمليات تستهدف تقليص نفوذ الميليشيات الإيرانية، مما يضيف تحدياً جديداً لنفوذ إيران في المنطقة.
- توسيع تنظيم داعش لعملياته: داعش استغل الوضع ونفذ عمليات ضد الميليشيات الإيرانية في البادية السورية، مما يعقد الوضع الأمني ويزيد من الضغط على القوات الإيرانية.
- مساعي أهالي السويداء لتقويض نفوذها: السكان المحليون في السويداء يسعون لتقليص تأثير الميليشيات الإيرانية، مما يزيد من التحديات التي تواجهها إيران في بسط نفوذها على المناطق المختلفة في سورية.
- ادراك النظام خطورة ايران: بعد ان ادلاك النظام السوري مدا خطورة ايران عمد على تسريب مواقع ومعلومات الى إسرائيل للحد من النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا.
الخاتمة:
على المدى القريب، يبدو أن الضربات الإسرائيلية ستستمر في محاولة تقويض النفوذ الإيراني والحد من قدراته في سورية، لكن من غير المرجح أن تتمكن من إخراج إيران بالكامل. أما على المدى البعيد، فإن مستقبل الوجود الإيراني في سورية سيعتمد على تطورات النزاع السوري والعلاقات الدولية والإقليمية، فضلاً عن قدرة إيران على التكيف مع الضغوط المستمرة والبحث عن سبل جديدة لتعزيز مصالحها في المنطقة.
انتقاء موفق بارك الله بيكم
شكراً لك على تواجدك ومرورك الكريم!