من رفعت إلى ماهر الأسد إرث الفساد وداء العظمة:
شهدت سوريا منذ سبعينيات القرن الماضي، حقبة مريرة وقاسية من المحسوبيات والفساد أيام سرايا الدفاع وأيام المعلم القائد رفعت، وممارسات المظليات العبثية في مدينة دمشق، ولاشك بأن السويين الذين عاصروا هذه الحقبة البائدة، لم يستغربوا القرار الذي أصدره ماهر الآسد شقيق بشار الأسد ،باعتبار عناصر الفرقة الرابعة فوق المساءلة القانونية ومنع أي جهة أمنية أو عسكرية بتوقيف أي عنصر من عناصر الفرقة الرابعة إلا بموجب مهمة رسمية صادرة عن مكتب أمن الفرقة الرابعة أو سرية الشرطة العسكرية التابعة لها، وهذا ما فعله رفعت الأسد بالماضي بإعطاء أوامر لكل عناصر سرايا الدفاع، الا ينفذوا أي تعليمات تصدر عن فرع الشرطة العسكرية والقضاء وأبرق لقائد الشرطة العسكرية و القضاء العسكري، بأن عناصر سرايا الدفاع غير مشمولين بقوانين الشرطة العسكرية والقضاء القاضي ضمن المعسكرات، وخارج أوقات الدوام في المدينة، و شكل رفعت الأسد شرطة عسكرية خاصة بعناصر سرايا الدفاع.
لقد أحس ماهر الأسد في الأونة الأخيرة بأن شقيقه بشار أصبح يفرغ دائرته العسكرية المقربة من حوله، فقد قام بنقل نوابه المقربين، الى مناصب غير هامة بعيدا عن الفرقة الرابعة، لذلك أصبح ماهر يزيد من وتيرة استقلالية فرقته وضباطه وجنوده، ويعمل على تهيئة مناخ الدولة الانتقائية المنفلتة من عقال أنظمة الخدمة والقوانين، لإنتاج جيش لحماية الرئيس من الشعب وليس حامياً للشعب وحدود الوطن، وهذا لا يساعد على بسط السلم الأهلي واحترام قوانين البلاد، لذا انتشر الفساد في أرجاء سوريا.
ازدادت تجاوزات ماهر الأسد في سيطرته قادة الفرق والألوية عن طريق أبناء دورته من المهندسين القياديين في التشكيلات الذين أصبحوا ضباط ارتباط بينه وبين ضباط الجيش بانتقاء القادة الموالين له، وعلى الصعيد المجتمعي سيطر على وسائل الإعلام وشركات الإنتاج الإعلامي برمتها. كموقع شام برس الإعلامي على الإنترنت، ودعم العنف ضد المتظاهرين أثناء الاحتجاجات السورية، وإدارة إنتاج و تهريب المخدرات مع أبناء عمومته وشبيحة الساحل، بالتنسيق مع حزب الله وغسيل أموال بقيمة مليارات الدولارات في بنك المدينة اللُبناني، وغسيل أموال الرشاوي للمسؤولين العراقيين وشركائهم في التلاعب غير المشروع ببرنامج النفط مقابل الغذاء، وابتزاز تجار دمشق والاستحواذ على النصيب الأكبر في مصانعهم ومعاملهم وشركاتهم، كونه أصبح يدير عدداً من المشاريع التجارية المختلفة في لبنان مع أبن خاله رامي مخلوف، وأطلق أيدي ضباطه للهيمنة على تجار دمشق وإعطاؤهم رخص بناء محاضر سكنية على أرض المعضمية، وبعد الانتهاء منها وضع يده عليها، ووزعها على ضباط “الفرقة الرابعة”، وهيمن على مشاريع السكن الشبابي، ووضع يده على مشروع منطقة للسكن الشبابي في ريف دمشق الغربي بحجة انها منطقة عسكرية، وابتزاز أصحاب المشاريع المتعددة العلمية والإنتاجية والصناعية وفرض رامي شريك في الجامعات والتعهدات والاستيراد والتصدير والصفقات.
ورث ماهر الأسد الفرقة الرابعة عمه رفعت الأسد( الذي قام بانقلاب سريا الدفاع عام 1982 عند مرضه أخيه حافظ) ولكن لم يحالفه النجاح، وتم طرده خارج سورية حفاظا على التركيبة التقاسمية بين عشائر الطائفة النصيرية، من الخياطين والكلبيين والكلزين والماخوسيين، التي كان أركانها: اللواء ابراهيم الصافي، واللواء شفيق فياض، واللواء علي حيدر، واللواء توفيق جلول، واللواء علي دوبا وغيرهم.
تغيرت الوجوه ولم يتغير نهج المنظومة البائدة وخلافاتهما التي انعكست سلبا على الجيش والشعب، وظهرت هذه الخلافات منذ بداية الثورة بالانقسام باصطفاف ماهر الأسد مع والدته مع فريق المغدور قاسم سليماني المتشدد، الذي مَنع شقيقه بشار من تلبية مطالب السوريين والرد عليهم بالرصاص والمواجهة معهم.
تختلف البنية التنظيمية للفرقة الرابعة عن الهيكل التنظيمي لتشكيلات الجيش فهي تتألف بالإضافة للدبابات والمشاة والمدفعية من أفوج إنزال مظلي، وكتائب فنية خاصة بعمل المظلات، وكتائب حماية وحراسة واقتحام، وكتائب مهام خاصة تعمل لصالح القائد الذي عادة ما يكون فعلياً أعلى من رئيس الجمهورية، واعلى من الهيكل التنظيمي للجيش فهي تتميز بتسليح نخبوي من الدبابات الروسية المتطورة T80,و T90 وT72وعربات المشاة BMB 2 المحدثة، والمدفعية المتطورة فوزديكا وأكاسيا التي لم تدخل الخدمة في تشكيلات الجيش النظامية، إلا بعد زمن طويل وكل الأنواع الخاصة من العتاد القتالي المتطور.
الفرقة الرابعة ( سرايا الدفاع سابقاً ) كانت مستقلة عن تشكيلات الجيش وكانت تسمى فرقة ( النخبة المحترفة) بقيادة النقيب رفعت لضابط الوحيد الذي اتبع دورة ركن استثنائيا برتبة نقيب، ومعظمها من الضباط وصف الضباط والجنود المتطوعين المنتقين انتقاء من أبناء الساحل وقرى حمص الشرقية والغربية ومصياف وبعض قرى حماه، حيث تم تشكيل لجان تطويع دائمة ومتنقلة تجوب هذه القرى من أجل تطويعهم في سرايا الدفاع عند المعلم رفعت (أبو دريد).
بالأساس فإن الفرقة الرابعة بنيت على اغتصاب عقارات أهالي دمشق، واستملاك أرض دمشق عنوة من أجل بناء مساكن السومرية الخاصة بسرايا الدفاع الواقعة بالجهة الغربية من دمشق بجانب مطار المزة ولم يتم تعويض أهالي دمشق بأي مبلغ مقابل عقاراتهم وتم استملاكها لصالح إدارة المساحة العسكرية – وزارة الدفاع تحت مسمى المجهود الحربي، ليكمل بعده ماهر الأسد بناء كتل ضخمة التهمت الوجه الحضاري لدمشق بدءاً من قلب العاصمة في المزة وركن الدين والمزة وصولاً الى الصبورة ويعفور، و سمح رفعت الأسد لضباط وصف ضباط وجنود فرقته باقتطاع أرض من عقارات المزة جبل في دمشق والبناء عليها بشكل استثنائي وعشوائي أمام أعين محافظة دمشق بدون رقيب أو حسيب أو مساءلة، والتي أصبحت فيما بعد مثالاً ونموذج يحتذى به من قبل كل وحدات الجيش للاستيلاء على أملاك أهل الشام في المزة وركن الدين والقابون وبرزة وصحنايا وأحياء دمشق الجنوبية، ولم يَسلم منهم حتى المغتربين والمستثمرين العرب الذين تم الاستيلاء على ممتلكاتهم كـــ بناية كاملة لمواطن كويتي وتقاسموها وسميت المنطقة بالكامل حي بناية الكويتي بالقرب من الكسوة، التي ماتزال شاهدة على سلبهم أملاك الأخرين.
إن الوجه المظلم لسوريا هو ممارسات ضباط الفرقة الرابعة التي أصبحت دويلة تضم حاضنة رفعت وماهر ومجتمع العسكرة والكيان الثيوقراطي الذي يقوده كبار المشايخ في الطائفة، والحرس الجمهوري والتشكيلات غير النظامية كالدفاع الوطني واللجان الشعبية التي ظهرت بعد 2011 ابتلعت الدولة وخيراتها عدا عن مصائب الفساد والتجاوزات وأكل حقوق السوريين وعلى راسها قانون الاستئجار الذي فرضه حافظ الأسد على سكان سوريا عامة وسكان دمشق خاصة التي تتواجد فيها تشكيلات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والوحدات الخاصة وفروع الأمن العسكري والجوي والسياسي والمخابرات العامة.