يدأب الإعلام الهابط على وصف الملوك والسلاطين والأمراء والرؤساء بأصحاب الجلالة والسمو والفخامة، وهؤلاء لا علاقة لهم بهذه الأوصاف، بل هم على النقيض من ذلك بالكلية.
وتريد هذه الإضاءة كما هي في الأصل مراكمة وضع اللبنات في إطار الرؤية النظرية المنشودة لإحكام العمل السياسي على أسس رصينة ومتماسكة، تكفل نقل مجتمعاتنا إلى حياة كريمة، وتجعلها قادرة على كل قرار ذاتي وفق الخط السيادي نقيض الواقعية الانهزامية الخانعة.
ومن أهم النقاط النظرية التي يجب أن تظهر في تحركاتنا وعملنا السياسي وخطابنا العلني ودون أي مواربة أن ملوك المنطقة وأمراءها وسلاطينها ورؤساءها لا يستحقون أي ثناء؛ وذلك باعتبار أدائهم وأدوارهم القائمة، وسلوكياتهم التاريخية السابقة؛ ولكنهم يستحقون بجدارة كل وصف سلبي باعتبار علاقاتهم الخارجية في إطار النظام الدولي، وتصرفاتهم الداخلية المنضوية تحت الكذب والخداع والتخدير وتبديد الأوقات وإضاعة الجهود وتنهيب الثروات واستعمالها للتجميل والتزيين الشكلي المنافي للمضامين المرادة للنهوض الحقيقي. فالحكم والتوصيف يتناولهم من هذا الجانب، ولا علاقة له بجوانب أخرى، وهي غير معتبرة حكماً. وعليه لا تنتمي تفاصيل هذا التصنيف لأي خلفية ذاتية أو رغائبية، وإنما هو تموضع الخانات وتحديد المبادئ بين الرسمي الوظيفي وملحقاته؛ وبين الشعبي الذي يبحث ويجد ويكد بكل قوة وعزيمة من أجل استعادة مكانته ودوره الثقافي.
وكل الخلفيات الدينية والإثنية والأسرية والعشائرية وسواها لا تغير في العموم من هذه الحقائق قيد أنملة.
ويشمل هذا التوصيف العرب والعجم، ويتعداهم أفرادا إلى بناهم كاملة، وإلى جميع المحيطين بهم. فكل من يمدحهم، أو يرى فيهم أملا، أو يعول عليهم أو على برامجهم الورقية من داخل بناهم، أو من خارجها مثل مراكز الدراسات والمحللين والكتاب والشيوخ والعلماء والهيئات المدنية والحركات والتيارات هم إما جهلاء أو مغرر بهم أو انتهازيون أو أجراء؛ وهم سواء من حيث النتيجة الوظيفية المنوطة بهم، بل إن المغرر بهم من الأفاضل وأصحاب النوايا الحسنة الذين يرون في تلك الثلة خيرا هم أشد وطأة على مجتمعاتهم من الباقين بحسبانهم غائبين عن السياسة والكياسة، قريبين من الحمق والغفلة.
وفي سياق البحث والحديث عن المشروع الغائب ببعض أجزائه المهمة، تبرز أهمية توصيف الذين تربعوا على عرش السلطة والمتأملين بهم توصيفا حقيقيا ودقيقا في ظل غياب وافتقاد حاد للأشخاص الجديرين بتوعية المجتمعات وإدارتها وقيادتها، وتحقيق ما ترجوه المنطقة منذ عشرات السنين.
ويعتبر غاصبو السلطة من أصحاب الوضاعة والسفول والدناءة علامة فارقة وسيفا مسلطا على المنطقة وقاطنيها لمنعهم من التموضع السياسي السيادي، وستبقى هذه الفئة رمزا لإذلال المجتمعات وقهرها، وقتل إرادة الناس وطموحاتهم. وأصحاب الديمقراطية الهشة لا يختلفون عن المستبدين الطغاة، إذ إن ديمقراطيتهم لم تقم أساساً بقرار ذاتي وباستحقاقات داخلية، إنما بقرار وصبغة أميركية، وسرعان ما يمكن أن تنهار وتتلاشى لأن عوامل تحصينها الداخلية معدومة، أو شبه معدومة، والوقائع والإشارات التي تدلل على ذلك كثيرة وواضحة للمتابعين والمهتمين.
ومما يؤكد أن هؤلاء جميعا لا علاقة لهم بالحكم والإمارة والرئاسة ومفهوم الدولة وبناء المجتمعات والارتقاء بها والحفاظ عليها ذلك الدمار الذي يتم ببصماتهم أو برضاهم أو رغما عنهم، وتلك الدماء التي تسيل بأيديهم وإيقاعهم، وتلك الأعراض التي تنتهك بتوقيعهم وتحت أنظارهم في أقبية سجونهم، أو خارجها وهم أحد أهم أسبابها؛ فلا يرف لهم جفن ولا تتحرك فيهم مشاعر، ومن شدة سفالتهم يطربون لانتهاك الأعراض وانتشار الفساد والإفساد، بل إنهم يتاجرون بها لتحصيل مكاسب شخصية زائفة، أو أصوات انتخابية رخيصة؛ وعلى رأس الشروط الضرورية لتحسين وضع بلادنا العام إزاحتهم وأنظمتهم عن سدة الحكم، وريثما يتم هذا ويستكمل لا بد من عدم التعويل عليهم، أو المراهنة عليهم بحسبانهم أدوات لأغراض متدنية، ومن يرى فيهم مستقبلاً بغض النظر عن خلفية ذلك فإنه يسهم في إطالة عمر الأزمات والمعاناة والآلام.
وواحدة من أهم اللفتات والزوايا التي يجدر بنا التنبه لها والحذر منها هي الإعلام الغربي الذي يسوق لأصحاب الوضاعة فيحسن صورهم ويجملها بكل قواه المهنية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى كالذي فعلته فوكس نيوز مع المنشار السعودي ابن سلمان، وكالذي يجري مع المجرم بشار حالا وسابقا لإعادة تأهيله، ومثلهما ما هو كائن مع أبناء زايد ومدينتهم دبي، المضيئة في إعلامهم، المظلمة بصنائعهم الشنيعة والهمجية.
ويجلس المذيعون الغربيون أمامهم وكأنهم فلاسفة العصر ومصدرو المعرفة والنور، ويسبغون الأوصاف الجميلة على هؤلاء الحكام الظلمة، ويصورونهم بأنهم نعمة السماء على هذه المنطقة، ولولاهم لحصلت كوارث لا يمكن تخيلها.
حتى انتقادهم على سبيل السخرية كما تفعل بعض القنوات العربية فتضفي عليهم أوصافا رفيعة تحريا للمهنية والموضوعية فإن ذلك رافعة لهم، ودعما متعمدا لهم من سياسة التحرير على الأقل، هذا إذا افترضنا دروشة المذيعين ومقدمي البرامج.
ولا داعي للمقارنة بين أفراد هذه الثلة القميئة القبيحة، فهذا يعري هذا، وذاك يشن هجوماً على ذاك، وذلك يوبخ ذلك لا يقدم ولا يؤخر ولا يسهم إلا في التشويش والتنفيس الفارغ والاستهلاك الجماهيري الشعبوي, أما قولهم: الأمير القطري يستقبل الإسلاميين، والسعودي والإماراتي يعاديهم لحساب العلمانيين، والثالث المجرم يدعم المقاومة ضد الكيان الصهيوني اليهودي، ويستقبل صفها المتقدم ويعانقهم ويقبلهم، والرابع يعاديها ويلهث وراء التطبيع؛ فهو خدمة جليلة لهم، لماذا؟ لأن وزراء داخليتهم جميعا يجلسون مع بعضهم وينسقون المواقف بينهم على أرفع المستويات للإحاطة بعمليات التغيير، وتتبادل أجهزة مخابراتهم أدق التفاصيل لإجهاض الإرادة الحرة، وينفذون أوامر المشغل على أتم وجه.
إنها ثورات الربيع العربي وعلى رأسها الثورة السورية العظيمة التي كشفت إلى أبعد حد أهمية القيادة السياسية، وما تعنيه هذه الطغمة المتسلطة على رقاب الشعوب؛ حيث يلزم إدراك أن الحكام هم رؤساء عصابات، ولا بد من تسمية المسائل بمسمياتها الحقيقية لإزالة الانخداع واللبس والتلبيس والتغرير الذي يحيد بالوعي العام وخطابه علما أو جهلا، ويذهب بالمسار الصحيح عن سكته المطلوبة عمدا أو خطأ، ويهدر مزيداً من الوقت والجهد والإمكانات.
وإيراد بعض الملاحظات اللغوية أو الشكلية، أو التحليلات والتعقيبات حول مضامين اجتماع أصحاب الوضاعة بحثأ عن الأجدى والأفضل يعتبر بحد ذاته إشكالا كبيرا وجهلا مركبا، والنقد يلحق بكاتب تلك السطور أو المتحدث بها، لأنه كمن يتكلم أمام صاحب النعمة والسعة عن أهمية الميتة التي فاحت رائحتها النتنة منذ مدة من الزمن، وضرورة الاستفادة منها؛ والذي يجد منفعة من قراءة أو سماع هكذا نقد كمن يستجدي الجمال من القبح والدمامة.
لقد آن لأولئك أن يتيقنوا أن سذاجتهم وبساطتهم السياسية أصبحت فاقعة، وأن نفاقهم أصبح ممجوجا، وأن بضاعتهم باتت بالية.