حصار مطبق يهدد 8 آلاف إنسان داخل مخيم الركبان
تقع مأساة إنسانية منسية في قلب الصحراء، حيث يخضع مخيم الركبان لحصار خانق من قبل قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية، مما يهدد حياة أكثر من 8 آلاف شخص يعيشون في ظروف قاسية. هذا الحصار يأتي في سياق جهود النظام السوري وحلفائه للتضييق على سكان المخيم وإجبارهم على العودة إلى مناطق سيطرته، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية هناك.
أوضاع النازحين واللاجئين في مخيم الركبان…
في أكتوبر 2018، قدرت اليونيسف أن 45,000 شخص يعيشون في مخيم الركبان، مع تقديرات أخرى تتراوح بين 50,000 إلى 70,000 نسمة. أفادت التقارير بوفاة رضيعين في أوائل أكتوبر، مما دفع اليونيسف إلى الدعوة لاتخاذ إجراءات عاجلة. منظمات غير حكومية محلية أبلغت عن وفاة 14 مدنياً آخرين بين أواخر سبتمبر و10 أكتوبر.
في يناير 2019، توفي ثمانية أطفال بسبب الطقس البارد ونقص الرعاية الطبية المناسبة، حيث كان يُقدر عدد سكان المخيم بـ 45,000، 80٪ منهم من النساء والأطفال. تلقى المخيم أولى مساعداته في 7 فبراير 2019، حيث وصلت قافلة من الأمم المتحدة محملة بالإمدادات الغذائية، والأدوية الأساسية، المواد التعليمية، ومستلزمات الأطفال.
في أبريل 2019، قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 36,000 شخص ما زالوا يعيشون في المخيم، بينما غادر حوالي 7,000 شخص في الشهر السابق. حتى 23 مايو، غادر 13,153 شخصاً في 16 مجموعة وتم نقلهم إلى ملاجئ في محافظة حمص. بحلول نوفمبر 2019، تمكن نظام الأسد بدعم من هيئة التنسيق الروسية من إجلاء 18,000 شخص، نصفهم من الأطفال، بعد فتح ممرات في منطقة التنف.
في مارس 2020، اتهمت الحكومتان الروسية والسورية الولايات المتحدة بنقل شحنات أسلحة إلى الميليشيات المسلحة في المخيم تحت ذريعة إرسال مساعدات إنسانية. وأشارت الأمم المتحدة في تقريرها في أبريل 2020 إلى أن الأوضاع الإنسانية في المخيم كانت صعبة للغاية.
في 6 أبريل 2022، نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريراً وثق فيه الانتهاكات الإنسانية في مخيم الركبان، مشيراً إلى نقص الإمدادات الغذائية والطبية والحصار المفروض من قبل قوات النظام السوري، مما أدى إلى وفاة العديد من الأطفال وكبار السن، وأصبحت ظروف المعيشة السيئة تهدد حياة أكثر من 8,000 نازح سوري.
ذكر بسام عبدالله السليمان، رئيس المجلس المدني في مخيم الركبان، أن سكان المخيم الذين يتجاوز عددهم ألفي عائلة يعيشون في حالة إنسانية كارثية. منذ أكثر من 40 يوماً، شددت قوات النظام والميليشيات الإيرانية الحصار على المخيم، مما أدى إلى انقطاع تام في إمدادات المواد الغذائية والطبية. وأكد السليمان أن المخيم بات خالياً تماماً من أي مقومات للحياة، حيث لا توجد مواد أساسية مثل الرز، البرغل، السكر، والزيت، فضلاً عن نقص حاد في حليب الأطفال والأدوية الضرورية للمصابين بالأمراض المزمنة.
وفي محاولة للفت أنظار المجتمع الدولي إلى معاناتهم، يظهر العشرات من سكان مخيم الركبان عند الساتر الترابي على الحدود السورية الأردنية. حيث طالب المحتجون بفك الحصار المفروض عليهم والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الأردن والعراق أو خروجهم إلى مناطق شمالي سوريا. هذا الحصار لا يمنع فقط وصول الغذاء والدواء، بل يفرض أيضاً حظراً على الحركة والسفر، مما يعوق النازحين من الوصول إلى الرعاية الطبية الضرورية.
يعود تاريخ الحصار على مخيم الركبان إلى عام 2018، حيث بلغ عدد سكان المخيم حينها حوالي 45 ألف نسمة، معظمهم مهجرون من ريف حمص الشرقي. ويذكر أن تشديد الحصار بدأ بهدف إجبار الأهالي على الخروج إلى مناطق سيطرة النظام تحت مسمى “العودة الطوعية“، مما يجعل وضعهم أكثر تعقيداً في ظل غياب تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
في ظل الحصار الخانق، يحاول سكان المخيم كسر هذا الطوق عبر تنظيم مظاهرات داخل المخيم والمطالبة بفك الحصار. كما أنشأ الناشطون غرفة تنسيقية على تطبيق “الواتس أب” للتواصل مع شخصيات دولية وإيصال ملف مخيم الركبان إلى المجتمعات الدولية، بما في ذلك اجتماع بروكسل. وعقدت لقاءات مع قوات التحالف الدولي المتواجدة في قاعدة التنف القريبة من المخيم لنقل المعاناة والمطالبة بالضغط على قوات النظام لفتح الطريق وإدخال المواد الغذائية والمساعدات الطبية.
دعوات للتحرك الدولي….. أنقذو مخيم الركبان
ظل مخيم الركبان مكانًا منسياً يعاني سكانه بصمت مروع، بعيدًا عن الأضواء واهتمام العالم. يعيش الآلاف في ظروف قاسية، محاصرين في الصحراء، حيث يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة. إن الحصار المفروض عليهم لا يقتصر فقط على منع دخول المواد الغذائية والأدوية، بل يمتد ليشمل حظرًا على الحركة والسفر، مما يحول دون وصولهم إلى الرعاية الطبية الضرورية ويعزلهم عن العالم الخارجي.
الأطفال والنساء في المخيم هم الأكثر تضرراً، إذ يفتقرون إلى التغذية السليمة والرعاية الصحية، ويعيشون في خيام لا تحميهم من البرد القارس في الشتاء أو الحرارة الشديدة في الصيف. يعاني العديد من الأمراض المزمنة دون وجود أدوية، بينما تزداد حالات سوء التغذية، مما يجعل الوضع الصحي داخل المخيم كارثياً.
وفي ظل هذا الواقع المؤلم، تتصاعد الدعوات من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني لإنقاذ مخيم الركبان. يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك فوراً وبحزم لإنهاء هذا الحصار الجائر وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة. إن صمت العالم تجاه معاناة سكان الركبان يعكس تقاعسًا غير مقبول تجاه التزاماتنا الإنسانية والأخلاقية.
يتعين على الدول والمؤسسات الدولية تكثيف جهودها للضغط على الأطراف المعنية لفتح الممرات الإنسانية والسماح بدخول المساعدات بشكل دوري ومنتظم. كما يجب على الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية أن تكون حاضرة بشكل أكبر في الميدان لضمان توزيع المساعدات بشكل عادل ووصولها إلى جميع المحتاجين.
إضافة إلى ذلك، يجب توفير الحماية لسكان المخيم وضمان حقوقهم في الحياة الكريمة والآمنة. يجب أن تشمل الجهود الدولية خططًا طويلة الأمد لإعادة تأهيل النازحين وتأمين عودتهم الطوعية والآمنة إلى مناطقهم الأصلية أو توفير بدائل سكنية مناسبة لهم.
إن إنقاذ مخيم الركبان ليس مجرد استجابة لأزمة إنسانية طارئة، بل هو واجب إنساني وأخلاقي يجب أن نلتزم به جميعاً. لا يمكن للعالم أن يبقى صامتاً بينما يعاني الآلاف في صحراء سوريا من الجوع والمرض والعزلة. حان الوقت للتحرك، لإظهار التضامن والرحمة، ولإنقاذ أرواح هؤلاء الناس الأبرياء الذين يعانون بصمت في مخيم الركبان.
الخاتمة:
يعيش سكان مخيم الركبان في ظروف إنسانية قاسية تحت حصار مشدد يهدد حياتهم وصحتهم. ورغم الاحتجاجات والدعوات المتكررة للمجتمع الدولي والمؤسسات الأممية للتحرك، إلا أن الحصار لا يزال مستمراً، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً لضمان حقوق هؤلاء السكان في الحياة الكريمة والآمنة. يتوجب على المجتمع الدولي الاستجابة لهذه الأزمة الإنسانية الملحة والعمل على فك الحصار وتوفير المساعدات الضرورية للسكان المحاصرين في هذا المخيم المنكوب.