تحت أضواء الأزمة السورية الطويلة، يبرز دور الجمعيات الخيرية كأحد أبرز اللاعبين في تقديم المساعدة الإنسانية ودعم التنمية في سوريا، وخاصة في المناطق المتأثرة بالصراع المستمر. ومن بين هذه الجمعيات، تتصدر “الأمانة السورية للتنمية ومنظمة تشارك“، التابعة لأسماء الأسد، مشهد العمل الخيري في العاصمة دمشق ومدينة اللاذقية، حيث تنفذ خططه الخيرية والتنموية بإشراف وثيق من نظام الأسد.
ومع ذلك، تظهر صورة مختلفة عندما تتواجد هذه الجمعيات في المحافل الدولية، وتشارك في المؤتمرات والفعاليات التي تستهدف دعم سوريا وشعبها. حيث يدعي ممثلون تلك الجمعيات أنها منظمات مجتمع مدني مستقلة، تسعى لتحقيق رؤية تتماشى مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، بعيداً عن تأثيرات أو أجندات النظام السوري.
يبدو الانقسام واضحاً خلال مؤتمرات المانحين التي يعقدها الاتحاد الأوروبي في بروكسل منذ عام 2017، حيث تتقدم منظمات المجتمع المدني بنداءات للحصول على الدعم المالي لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة في سوريا. وهنا يتجلى الجدل بين مطالب الجمعيات المحلية، التي تعمل تحت إشراف نظام الأسد، وبين الدعاوى للاستقلالية وتحقيق أهداف مجتمع مدني مستقل.
هذا التباين في الأهداف والتمويل يفتح باباً لتساؤلات حول شفافية ومصداقية العمل الإنساني في سوريا. فمن جهة، تواجه الجمعيات التي تعمل تحت إشراف النظام السوري اتهامات بالانتماء السياسي وتنفيذ سياساته دون مراعاة للحاجات الإنسانية الحقيقية. ومن جهة أخرى، تطالب منظمات المجتمع المدني المعارضة بتوفير الدعم المالي لها لتغطية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً وتلبية احتياجات السكان بشكل أفضل.
في هذا السياق يبدو أن النظام السوري يمارس تأثيراً مباشراً على المشاركة السورية في مؤتمرات دولية مثل مؤتمر بروكسل الثامن للمانحين، حيث يعمل على التأثير على وجهات نظر الجمعيات السورية وتوجهاتها. يتم ذلك من خلال اجتماعات مسبقة بين ممثلي النظام والجمعيات السورية، حيث يتم فيها توجيه الجمعيات لتبني وترويج وجهة نظر تتماشى مع مواقف النظام بشأن العقوبات الغربية ودورها المفترض في إعاقة العمل التنموي ومشاريع التعافي المبكر في سوريا.
هذا النوع من التأثير يشير إلى مدى سيطرة النظام السوري على الجمعيات والمنظمات في البلاد، حيث يسعى النظام إلى ضمان أن تعكس وجهات نظرها الموافقة لمواقفه ومصالحه، بدلاً من تمثيل الرؤى المتنوعة للسوريين واحتياجاتهم المختلفة.
المنصة الوطنية للمنظمات غير الحكومية”، المعروفة باسم “تشارك المرتبطة باسماء الأسد والهيمنة على الاغاثة في سوريا
تنشط منظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية في سوريا تحت إشراف “منظمة تشارك” والأمانة السورية للتنمية، مما يثير مخاوف من تفاقم الفساد وتوجيه التمويل إلى الجهات غير المناسبة، مما يعرض ملايين السوريين للخطر بالبقاء بلا مساعدات أساسية.
تعتبر دمشق وريفها موطناً لأكثر من 400 جمعية خيرية، بالإضافة إلى الآلاف من الجمعيات الأخرى المنتشرة في مناطق سيطرة النظام السوري، والتي تعتمد على تمويل من رجال أعمال ومغتربين أو منظمات دولية وأممية.
في آذار الماضي، التقت “أسماء الأسد“، زوجة رئيس النظام، ممثلين عن الجمعيات الخيرية والإنسانية والمنظمات الأهلية وغرف الصناعة والتجارة، بهدف تنسيق الجهود الخيرية بين هذه الجهات. وسبق ذلك تشكيل “المنصة الوطنية للمنظمات غير الحكومية”، المعروفة باسم “تشارك“، كوسيلة لتنظيم الجهود المجتمعية برعاية “أسماء الأسد” والأمانة السورية للتنمية في العلن ولكن هي في الحقيقة للهيمنة على اخر ماتبقى من ايردات في مجال الاغاثة.
ومن أهم أهداف منصة “تشارك” استيلاءها على أموال الجمعيات والمنظمات التي تعمل في مجال الإغاثة والإنسانية، من خلال إنشاء “الصندوق المالي الموحد للجمعيات الخيرية”، الذي تم مناقشته خلال مؤتمرات الجمعيات الخيرية في عام 2023 من أجل انتخاب مجالس إدارة له.
هذه الخطوات تثير مخاوف من توجيه التمويل إلى أغراض غير شفافة وعدم كفاية في توجيه المساعدات للمحتاجين السوريين، مما يعكس سجل الأسد الحافل بالفساد ويثير تساؤلات حول مستقبل المساعدات الإنسانية في البلاد.