في أعقاب سنوات من الصراع العنيف والتدمير الكبير الذي حل في سوريا، يبدو أن الأمور قد هدأت نسبياً على السطح. لم يعد صوت المدافع يرن في أجواء البلاد بنفس العنف كما كان في السابق، ولا تحشد الطائرات الحربية والمروحيات بكثافة في السماء كما كان الحال في السنوات السابقة. ومع ذلك، فإن هذا الهدوء الظاهر لا يعكس نهاية صراع القوى في سورية، بل يظل الجمر يتوهج تحت الرماد، مما يجعل الاستقرار الحالي قابلاً للتصعيد عندما تتوفر الأسباب والدوافع.
استقرار خريطة السيطرة وتحول التكتيكات
منذ عام 2020، لم تشهد سوريا تغيراً كبيراً في خريطة السيطرة العسكرية. يبدو أن الأطراف المختلفة، سواء كانت محلية أو دولية، قد أرادت الاحتفاظ بنسب سيطرتها دون تغيير كبير. تظل القوات النظامية تحتفظ بسيطرتها على معظم المناطق الحضرية والساحلية وبعض المناطق الحدودية، بينما تستمر فصائل المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية في السيطرة على مناطقها في إدلب وشمالي حلب وشمال شرقي سوريا على التوالي.
ومع ذلك، فإن الاستقرار الظاهر لا يعني انعدام التوتر. لا يزال هناك عدد من النقاط المتوترة في سوريا، مع تصاعد التصعيد بين الأطراف المختلفة، سواء كان ذلك بين فصائل المعارضة والنظام في شمال غربي البلاد، أو بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد. كما يعود تنظيم “داعش” للظهور وتنفيذ هجماته في مناطق البادية السورية.
تحول التكتيكات والتوجه نحو الصراع المنخفض الكثافة
مع استمرار الصراع، بدأت الأطراف المختلفة في سوريا في تحول التكتيكات نحو استراتيجيات أقل تكلفة بشرية وأكثر فعالية من الناحية العسكرية. لم يعد الصراع يتمحور حول القتال التقليدي في الميدان، بل يركز الأطراف على استخدام الأساليب ذات النفس الطويل، مما يهدف إلى تحقيق الأهداف باستخدام القوة الجوية والضغط الاقتصادي والعمليات الخاصة.
في الفترة الأخيرة، بدأت قوات النظام في استخدام طائرات بدون طيار لاستهداف المعارضة السورية، بدلاً من الاعتماد على الهجمات البرية التقليدية. كما استمرت تركيا في استخدام طائراتها من دون طيار لاستهداف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال شرقي سوريا، مما يعكس تحولاً في استراتيجيتها للحفاظ على التأثير دون الدخول في صدام مباشر مع الولايات المتحدة.
واقع السيطرة والنفوذ في سوريا
بنهاية عام 2023، بقيت الخريطة العسكرية في سوريا دون تغيير يذكر في حدود السيطرة وخطوط التماس بين القوى المحلية. حفظت الأطراف نسب السيطرة تماماً، كما سجل ذلك في نهاية فبراير 2020، حسب مركز “جسور” للدراسات. هذه الفترة شهدت أطول فترة استقرار منذ بداية الثورة عام 2011، وذلك بفضل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه بين تركيا وروسيا في 23 تشرين الأول 2019، وفي 5 آذار 2020. وظلت مناطق السيطرة ثابتة بين فصائل المعارضة و”قوات سوريا الديمقراطية”، وكذلك بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري.
بين الاستقرار الظاهر والتوتر المحتمل، يبقى مستقبل العمليات العسكرية في سوريا موضوعاً محيراً وغير مؤكد، حيث تبقى الأطراف المختلفة ملتزمة بمصالحها وأهدافها، ومع ذلك، فإن التغيرات المفاجئة قد تكون دائمًا ممكنة في هذا الصراع المعقد والمتشابك.