مناقشة الملف الكيميائي السوري في مجلس الأمن الدولي خلال شهر آذار 2024، أثارت جدلاً واسعاً رغم استمرار الجلسات الشهرية، حيث انتقد مندوب النظام في المجلس “قصي الضحاك” الاستمرار في هذه المناقشات، متهماً الدول الغربية بتسييس الملف لممارسة الضغط السياسي على النظام السوري.
في هذا التقرير، نستعرض سياسات النظام وحلفائه في مجلس الأمن تجاه ملف الكيماوي، بالإضافة إلى استعراض التحولات الأخيرة في جهود التحقيق الدولية المتعلقة بهذا الملف.
سياسات النظام وحلفائه تجاه ملف الكيماوي
- المحاولات الروسية الصينية لتهميش الملف:
تُعتبر المحاولات الروسية والصينية لتهميش ملف الكيماوي السوري في مجلس الأمن الدولي خطوة استراتيجية تهدف إلى حماية مصالح النظام السوري وتخفيف الضغط الدولي عنه. يُعتبر هذا النهج جزءاً من الجهود الدبلوماسية التي يبذلها النظام السوري وحلفاؤه لتقوية موقفهم وتقليل تأثير التحقيقات الدولية فيما يتعلق بالاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية في سوريا. تتضمن هذه المحاولات عدة جوانب:
- تقليل تكرار مناقشة الملف: يُعتبر الجانب الروسي والصيني أن مناقشة ملف الكيماوي السوري كل 3 أشهر يعتبر مبالغاً فيه، ويشيران إلى عدم وجود تقدم في هذا الملف كدافع لتقليل التركيز عليه وتقليل عدد الجلسات المخصصة له في جدول أعمال مجلس الأمن.
- استخدام الفيتو: تعتمد روسيا والصين على استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع اتخاذ أي قرارات قد تؤدي إلى فرض عقوبات أو إجراءات قاسية ضد النظام السوري بناءً على نتائج التحقيقات الدولية.
- نقض تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: يسعى الجانبان الروسي والصيني إلى تقليل القيمة والمصداقية للتقارير التي تصدرها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول استخدام الكيماوي في سوريا، ويحاولان تقديم نقد وشكوك حول دقة وحيادية هذه التقارير.
- التوجه للتفاوض الثنائي: يعتمد النظام السوري وحلفاؤه على التفاوض الثنائي والاتصالات مع دول معينة داخل مجلس الأمن بهدف تقليل التأثير السلبي للتحقيقات الدولية ومحاولة الحصول على دعم دولي لموقفهم.
هذه المحاولات الروسية والصينية تشكل جزءاً من الجهود الكبيرة المبذولة لحماية النظام السوري وتجنب مواجهة عقوبات دولية أو إجراءات قاسية على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
- الدور الإماراتي في تمثيل رواية النظام:
تبنت الإمارات دوراً ملحوظاً في تمثيل رواية النظام السوري في مجلس الأمن، حيث انضمت إلى جهود حلفاء النظام مثل روسيا في تقليل التركيز على ملف الكيماوي السوري وتقديم رؤية تناسب مصالح النظام. يُعزى هذا الدور الإماراتي إلى عدة عوامل:
- العلاقات الثنائية: تتمتع الإمارات بعلاقات وثيقة مع روسيا والنظام السوري، وهو ما يمكن أن يعكس تضامناً سياسيًا واقتصاديًا مع مواقفهم.
- المصالح الاقتصادية والاستراتيجية: يُعتبر النظام السوري شريكاً استراتيجياً للإمارات في المنطقة، وتهدف الإمارات إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية معه. بالتالي، قد يكون تمثيل رواية النظام في ملف الكيماوي جزءاً من هذه العلاقات والمصالح.
- الرغبة في الاستقرار الإقليمي: ترى الإمارات أن استقرار سوريا وحكم النظام هو عامل مهم للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وبالتالي قد تدعم جهوداً للتقليل من الضغوط الدولية على النظام.
- الموقف السياسي والدبلوماسي: تمتلك الإمارات وجهة نظرها السياسية الخاصة في الشؤون الدولية، وقد تحاول تعزيز هذه الوجهة من خلال دعم مواقف حلفائها والتحالف معهم في مجالات محددة مثل ملف الكيماوي السوري.
ومن الجدير بالذكر، أنَّ دور الإمارات كممثل لرواية النظام في مجلس الأمن، يمكن أن يؤثر ذلك على ديناميات التفاوض واتخاذ القرارات في المجلس، حيث يمكن أن تؤدي مواقفها إلى زيادة التعقيدات وتعطيل التقدم نحو حلول سياسية أو تدابير دولية بشأن الكيماوي السوري.
- نهج النظام السوري في مواجهة التقارير الدولية:
نهج النظام السوري في مواجهة التقارير الدولية حول استخدام الأسلحة الكيميائية يتمثل في سلسلة من الإجراءات والتصريحات التي تهدف إلى تشكيك في موثوقية وصدق هذه التقارير وإلقاء اللوم على الأطراف الأخرى، إضافة إلى استمرار التأكيد على عدم وجود أسلحة كيميائية لدى النظام والتبرؤ من أي هجمات مزعومة. وفيما يلي نظرة على هذا النهج:
- الإنكار والتشكيك: يعتمد النظام السوري على الإنكار الرسمي لوقوع أي هجمات بالأسلحة الكيميائية والتشكيك في مصداقية وحيادية التقارير الدولية التي تدعي وجود دلائل على استخدامها. يستخدم النظام السوري أحياناً تصريحات ووسائل الإعلام الموالية له لتقديم رؤية معاكسة تنفي مسؤوليته عن أي هجوم.
- تحميل الاتهامات للأطراف الأخرى: يقوم النظام السوري بتوجيه الاتهامات والتهم للجماعات المسلحة المعارضة والجماعات الإرهابية المناهضة له، مثل الجماعات المتشددة وداعش، في محاولة لتحويل الانتباه عنه وتبرير استخدام القوة ضد ما يصفه بـ”الإرهاب”.
- التعاون القسري وعرقلة العمل الدولي: يقوم النظام السوري وحلفاؤه بتعطيل ومنع عمل اللجان الدولية التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وذلك من خلال رفض السماح للفرق التحقيقية بالوصول إلى المناطق المشتبه بها، أو من خلال تقديم معلومات مضللة أو تعطيل عملية التحقيق بشكل عام.
- التأكيد على تدمير المخزون الكيميائي: يتمثل النهج الأساسي للنظام السوري في التأكيد المتكرر على تدمير جميع مخزونات الأسلحة الكيميائية التي كانت تمتلكها، وتبرئة نفسه من أي مسؤولية في هذا الصدد، مع اتهامه دائماً للفصائل المعارضة بالحصول على واستخدام الأسلحة الكيميائية.
باستمرار هذا النهج، يظل النظام السوري عالقاً في صراع دولي حول استخدام الكيماوي، ورغم تكرار الادانات الدولية والتقارير الدولية التي تثبت استخدامه للأسلحة الكيميائية، فإنه يظل متمسكاً بإنكاره ومحاولاته لتشويه صورة المعارضة وتشكيك في مصداقية التحقيقات الدولية.
- عرقلة اللجان الدولية التابعة للأمم المتحدة:
عرقلة روسيا لتشكيل اللجان والبعثات المعنية بالتحقيق في استخدام الكيماوي في سوريا تعكس استخدامها لنفوذها وصلاحياتها في مجلس الأمن لحماية مصالح النظام السوري وتقويض الجهود الدولية لتحقيق العدالة وفرض القانون الدولي. تتجلى هذه العراقيل في عدة نقاط:
- استخدام الفيتو: يمتلك أعضاء مجلس الأمن الدائمين الحق في استخدام الفيتو، الذي يمكن أن يعرقل قرارات المجلس. استخدمت روسيا الفيتو بشكل متكرر لمنع تبني قرارات تهدف إلى تشكيل لجان تحقيق في استخدام الكيماوي في سوريا، مما أثر سلباً على قدرة المجتمع الدولي على التحقيق الفعال في هذه القضية.
- التعاون السلبي: قد تعرقل روسيا جهود تشكيل اللجان والبعثات عبر التعاون السلبي، مثل تأخير الاستجابة لطلبات التحقيق، أو تقديم معلومات مضللة أو غير كافية للجهات المعنية، مما يؤثر على جودة ونتائج التحقيقات.
- التدخل الدبلوماسي: يمكن لروسيا أن تستخدم التدخل الدبلوماسي لإشعال التوترات والمناوشات بين أعضاء المجلس الدولي، مما يؤدي إلى عرقلة التوافق على إجراءات مشتركة لتشكيل اللجان والبعثات.
- الضغط السياسي: تستخدم روسيا الضغط السياسي على الدول الأعضاء في المجلس الأمن، وخاصة الدول التي تعارضها في القضايا ذات الصلة، لتقليل دعمها لتشكيل اللجان والبعثات المعنية بالتحقيق في استخدام الكيماوي في سوريا.
هذه العراقيل التي تفرضها روسيا تعيق الجهود الدولية لتحقيق العدالة وتأمين المساءلة عن استخدام الكيماوي في سوريا، وتسهم في زيادة حالات الإفلات من العقاب وتشجيع الانتهاكات المستمرة لحظر الأسلحة الكيميائية.
توسيع بعثات التحقيق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية
- تشكيل فريق IIT: تشكيل فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT)، وهو تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، يعد خطوة هامة في محاولة القضاء على استخدام الأسلحة الكيميائية وتحقيق العدالة. إليك ملخصاً لتشكيل هذا الفريق وأهميته:
- ما هو فريق IIT؟
تم تشكيل فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT) في عام 2018 بقرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW).
يهدف الفريق إلى تحديد المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وتحديد الجناة.
- صلاحيات الفريق:
يتمتع الفريق بصلاحيات تفوق تلك التي كانت متاحة للبعثات السابقة التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
يتمتع الفريق بالقدرة على تحديد المسؤولية عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية بغض النظر عن ما إذا كانت تلك الهجمات قد تمت في مناطق تحت سيطرة النظام السوري أو المعارضة.
- أهمية تشكيل الفريق:
يمثل تشكيل فريق IIT خطوة مهمة في محاولة المجتمع الدولي لتحقيق العدالة وفرض القانون الدولي فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية. يوفر الفريق إطاراً جديداً للتحقيقات، مما يساعد في تحديد المسؤولية وتحديد الجناة بشكل أكثر دقة وشمولية. يساعد تشكيل الفريق في تعزيز الضغط على الأطراف المتورطة في استخدام الكيماوي في سوريا، مما يمكن من تقليل حالات الانتهاكات وتحقيق التوعية بضرورة احترام حظر الأسلحة الكيميائية.
- التحقيقات السابقة: قام الفريق بتقديم عدة تقارير تفصيلية حول الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا، وقد كشفت هذه التقارير عن مسؤولية النظام السوري ومنظمة داعش في بعض الهجمات.
تقدم التقارير السابقة التي قدمها الفريق مصدراً موثوقاً به للمعلومات حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
- نتائج التحقيقات: أثبتت التحقيقات استخدام الكيماوي في العديد من الهجمات، محملة النظام مسؤولية الهجمات بشكل أساسي.
باختصار، فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT) يمثل أداة فعالة لتحديد المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ويساعد في تحقيق العدالة وتطبيق القانون الدولي في هذا الصدد.
- إجراءات النظام وروسيا لمواجهة التقارير: يبذل النظام وروسيا جهوداً لتقويض نتائج التحقيقات ومنع تبنيها كأساس لعقوبات إضافية.
- إصرار الدول الغربية على التحقيق: إصرار الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، على التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا يعكس التزامها بفرض العدالة، وتحقيق الشفافية، وضمان احترام القانون الدولي. إليك بعض الجوانب الرئيسية لإصرار هذه الدول على التحقيق:
- حماية القانون الدولي: ترى الدول الغربية أن استخدام الأسلحة الكيميائية يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. بالتحقيق في حوادث استخدام الكيماوي، تسعى هذه الدول إلى فرض العدالة وتطبيق القانون الدولي ومنع حدوث مزيد من الانتهاكات.
- المساءلة: تؤمن الدول الغربية بأهمية محاسبة المسؤولين عن استخدام الكيماوي في سوريا وتقديمهم للعدالة.
من خلال التحقيقات وتقارير المنظمات الدولية، تسعى هذه الدول إلى تحديد المسؤولين واتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم. - ضمان الشفافية: ترى الدول الغربية أن التحقيقات المستقلة والشفافة تساهم في كشف الحقائق وتقديم التوصيات لمنع تكرار الانتهاكات المستقبلية.
ختاماً:
مع استمرار الجهود الروسية والصينية في تهميش ملف الكيماوي السوري، وتوسع بعثات التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يبقى الصراع حول هذا الملف قائماً على أشده في ظل التحولات السياسية والدبلوماسية. ويبقى السؤال حول مصير عمليات التحقق والإثبات، وإمكانية تحقيق العدالة وفرض العقوبات على المسؤولين عن استخدام الكيماوي في سوريا مفتوحاً في مساحة من التعتيم وتزييف الوقائع.
دراسة جيدة مشكورين