خريطة الوجود التركي في سوريا: تحليل وتقييم
تعد العلاقة بين تركيا وسوريا من بين العلاقات الإقليمية المعقدة التي شهدت تطورات هامة على مر السنوات. منذ بداية الثورة السورية عام 2011. قامت تركيا بالعديد من التحركات المتعلقة بتثبيت اقدامها في هذا البلد الجار. واصبحت خريطة الوجود التركي في سوريا موضوعاً للجدل والتحليلات، لأن تداعياتها ذات تأثير كبير على السياسة الإقليمية والتوازنات الدولية.
هذه المقالة تسلط الضوء على تحليل وتقييم هذه الخارطة الجديدة والمتغيرة باستمرار, لفهم دوافع الوجود التركي في سوريا وأبعاده المختلفة.
السياق التاريخي:
لفهم خريطة الوجود التركي في سوريا، يجب أولاً النظر إلى السياق التاريخي للعلاقات بين البلدين. كانت العلاقات بين سوريا وتركيا متقلبة على مر العصور، مع تأثيرات الحروب والتحولات السياسية والاقتصادية. وكانت فترة حكم حافظ الأسد تتصف بالكثير من المفارقات مع الجانب التركي. ومع ذلك، عادت العلاقات حسنة في زمن تولي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السلطة في عام 2003، حيث بذلت محاولات لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
الوجود التركي العسكري: انتهاز الفرصة خلال الثورة السورية:
يتمتع النفوذ العسكري التركي في سوريا بانتشار وتوزيع استراتيجي يهدف إلى تحقيق أهداف محددة تتعلق بالأمن القومي والاستقرار في المنطقة. يمتد النفوذ العسكري لتركيا في سوريا عبر عدة محافظات، منها الحسكة والرقة وحلب وإدلب واللاذقية وحماة. ويتميز هذا الانتشار بالترابط والتواصل بين القواعد والنقاط العسكرية الموجودة في الشريط الحدودي وخطوط التماس بين المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل المعارضة والمناطق التي تسيطر عليها النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية.
تتولى القوات التركية المنتشرة في شمال سوريا مهام رئيسية تتمثل في المراقبة والدفاع، حيث تقوم بمراقبة الأنشطة والتحركات على الحدود وضمان الأمن والسلامة للمناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة. كما تعمل على وقف إطلاق النار ومنع الانزلاق إلى عمليات قتالية من خلال توسيع نطاق الرقابة وتحسين الاستجابة العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت تركيا في إنشاء نقاط ذات مهام قتالية في النصف الثاني من عام 2018، واستمرت في تعزيز وتعميق مواقعها العسكرية، مما يشير إلى استعدادها لبقاء طويل الأمد في سوريا. وانشأت العديد من القواعد والنقاط العسكرية في مواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ عقيل في الباب وتل النبي زيد في إدلب.
تتميز القواعد والنقاط العسكرية التركية بتجهيزها بكامل صنوف الأسلحة والتجهيزات اللازمة لتنفيذ العمليات الدفاعية والهجومية، مما يشمل المدرعات وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة ومهابط الطائرات المروحية. وتهدف هذه القواعد والنقاط إلى توفير الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز قدرة القوات التركية على التصدي لأي تهديدات أمنية قد تطرأ في المنطقة.
اهم عمليات توسيع الأراضي المحتلة
أحدثت عمليات تركيا العسكرية في سوريا، مثل “نبع السلام” و”درع الفرات”، تحولاً كبيراً في خريطة الوجود التركي في سوريا. تهدف هذه العمليات إلى مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم PKK وحماية حدود تركيا الجنوبية، ولكنها أيضاً أثارت انتقادات دولية وتساؤلات بشأن التداعيات الإنسانية والسياسية لهذه الخطوات.
تطور العلاقات التركية الروسية في سوريا:
شكل التواجد الروسي في سوريا عاملاً مهماً في تحديد خريطة الوجود التركي 2024. على الرغم من وجود اختلافات بين روسيا وتركيا بشأن سوريا، إلا أنهما تمكنا من التعاون في بعض الجوانب، مثل إقامة مناطق لخفض التصعيد والتنسيق العسكري.
تواجه تركيا تحديات عديدة في سوريا، بما في ذلك تحديات أمنية، واقتصادية، وسياسية. يجب عليها التعامل مع التوترات الداخلية والخارجية، بما في ذلك العلاقات المتوترة مع بعض القوى الإقليمية والدولية.
التواجد التركي الإداري في سوريا
منذ دخول تركيا عسكرياً إلى سوريا في عام 2017، بدأت التحديات والمسؤوليات تتزايد عليها فيما يتعلق بإعادة بناء المناطق المتضررة وتوفير الخدمات الأساسية للسكان المحليين. بدأ المهندسون الأتراك في تنفيذ مشاريع البناء وانشاء قرى سكنية لإيواء السوريين المشردين تحت الخيام، مما يشير إلى رغبة تركيا في المساهمة الفعلية في إعادة الإعمار وتحسين الظروف المعيشية لنازحين في الداخل السوري. ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض لم يصل الى مستوى الطموحات والتوقعات.
رغم الجهود التي بذلتها تركيا، إلا أن تنفيذ المشاريع الإعمارية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان في المناطق المتأثرة بالحرب لم يعطي النتائج المرجوة بشكل كافٍ. فقد أظهرت الإحصائيات أن هناك نقصاً واضحاً في العمليات الفعلية للإعمار، حيث لم تحدث تطورات كبيرة في هذا الصدد على أرض الواقع. كما واجهت العديد من المناطق صعوبات في توفير الكهرباء والمياه والبنية التحتية الأخرى، ولم يتم تحسين الطرقات بشكل كافٍ لضمان سلامة السكان وتوفير الوصول السهل إلى الخدمات.
من الجدير بالذكر, أن القطاعات الخدمية مثل التعليم والرعاية الصحية شهدت تنظيماً من قبل تركيا، لكن بعض القيود والتحفظات كانت موجودة بسبب مخاوف من الآثار السلبية لعمل المنظمات الإنسانية في المنطقة. وقد قامت تركيا بدعم البلديات في المناطق السورية المتضررة، خاصة في القطاع الزراعي، من خلال سماحها بدخول سلعهم إلى الأسواق التركية.
بشكل عام، يمكن القول إن الاستثمار التركي في الشمال السوري لم يصل بعد إلى مستوى الاستثمارات الكبيرة أو المتوسطة الحجم، بل تمثلت المشاركة الرئيسية في التجارة بين البلدين. وعلى الرغم من بعض الجهود في مجال الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية، إلا أن التحديات الكبيرة ما زالت تعيق عمليات الإعمار الفعلية، مما يستدعي تكثيف الجهود وتوجيه الموارد بشكل أفضل لتلبية احتياجات السكان المتضررين في سوريا.
في الختام، تبقى خريطة الوجود التركي في سوريا موضوعاً للمراقبة والتحليل المستمر، حيث تشكل تحولاتها تحديات وفرصاً لتركيا وللمنطقة بأسرها. يتطلب التفاعل الدولي المستمر في هذا السياق فهماً عميقاً للديناميات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا..