منذ بداية الصراع في سوريا، كنا نواجه أحداثاً يشوبها الوضوح لدرجة أنَّ البعض اعتبروها ألغازاً تحتاج إلى فك تشفيرها. وكانت الأحداث التي شهدتها المنطقة الشمالية الشرقية للبلاد من الألغاز عندما بدأت تتصاعد فيها التوترات الأمنية والصراعات بين مختلف الجماعات المسلحة والقوى الدولية. ومن بين هذه الجماعات، حزب العمال الكردستاني، الذي يعتبره النظام التركي تنظيماً إرهابياً ويعمل جاهداً على تقليل نفوذه ونشاطه في المنطقة.
مآلات الأحداث تَفكُّ شيفرة الألغاز
بعد مرور أعوام على تداعيات الأحداث في المنطقة الشمالية الشرقية للبلاد، وباتت القواعد الأمريكية تحتضن ما سمي ب(قسد) و(مسد) وخلافه، يرى المراقبون أنَّ تلك المنطقة -خلال الأشهر الأخيرة-، قد شهدت العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني فيها، تغيرات تكتيكية واضحة. لكونها في السابق، كانت مجرد عمليات تركز بشكل رئيسي على العمليات العسكرية، مثل الضربات الجوية والمداهمات البرية، وكانت تستهدف بشكل رئيسي المواقع والمنشآت التابعة للحزب في المنطقة. أما في الفترة الأخيرة، فقد شهدت تحولاً في هذا النمط، حيث بدأت تركيا تركز بشكل متزايد على العمليات الأمنية والاستخباراتية. وهذا يعكس تحولًا استراتيجياً في مواجهة تنظيمات حزب العمال الكردستاني، حيث يسعى النظام التركي إلى تقليص قدرة الحزب على العمل ونفوذه في المنطقة بكل الوسائل المتاحة.
المستجد في التكتيك العملياتي التركي
تركزت العمليات الجديدة على استهداف القيادات العسكرية والأمنية لحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى المنشآت الأمنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا. هذا التحول يعكس استراتيجية أكثر تركيزاً على تقويض قدرة الحزب على العمل وتقليص نفوذه في المنطقة، وذلك من خلال استخدام العمليات الأمنية والاستخباراتية بدلاً من العمليات العسكرية الكبيرة الحجم وتركزت في مناطق القامشلي والمالكية/ ديريك. ومع ذلك، لا يزال التركيز الرئيسي للعمليات ينصب على استهداف المواقع الاقتصادية والبنى التحتية التابعة للحزب في المنطقة.
التغيرات الإسترتيجية أيضاً
الطارئة من الملاحظ أن هذا التغيير في النمط يأتي في سياق تصاعد التوترات الإقليمية والتحديات الأمنية التي تواجهها تركيا في المنطقة. فالصراعات الإقليمية والصراعات الداخلية في سوريا وتهديدات الإرهاب تشكل تحديات كبيرة للأمن الوطني التركي، مما يدفع الحكومة التركية إلى تغيير استراتيجياتها لتعزيز أمنها واستقرارها في المنطقة.
باختزال، يمكن القول إن هذا التحول في نمط العمليات التركية يعكس استراتيجية جديدة لمواجهة التحديات الأمنية والتهديدات الإرهابية في المنطقة، ويشير إلى تطور في النهج التكتيكي للحكومة التركية في التعامل مع حزب العمال الكردستاني في سوريا.
تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاخيرة:
في سياق تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ترشح طبيعة التغييرات الاستراتيجية التي لا بدَّ من تأطيرها ضمن الجهود في تعزيز الأمن الوطني واستعادة الاستقرار في المنطقة. لذلك أطلق في خطابه تحذيراً لأي منظمة تسعى لزعزعة استقرار تركيا وتهديدها، وخاصةً ميليشيا حزب العمال الكردستاني التي تشكل تهديداً مباشراً على حدود تركيا الجنوبية.
أكد أردوغان أن تركيا لن تتردد في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية حدودها ومواجهة التهديدات الأمنية، سواء داخل البلاد أو على الحدود الجنوبية مع سوريا والعراق. وأشار إلى استمرار جهود تركيا في إنشاء حزام أمني على حدودها مع سوريا، بالإضافة إلى تعزيز الأمن على الحدود العراقية.
هذه التصريحات تعكس الثبات والقوة في وجه التحديات التي تواجهها تركيا، وتؤكد على عزمها على مواجهة التهديدات الأمنية بكل حزم وقوة. وتوضح استعداد تركيا لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أمنها واستقرارها، وبناء جدار من الأمان حول حدودها لضمان سلامة مواطنيها وحماية مصالحها الوطنية.
تحذير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجسد قوة إرادة تركيا في مواجهة التحديات الأمنية وتأمين حدودها الجنوبية بكل الوسائل المتاحة.