في ذكرى مشؤومة تعيدنا إلى شهر شباط من عام 1982، نستحضر مأساة مدينة حماة في سوريا، حيث تعرضت المدينة لحملة قمع همجية من قبل نظام البعث بقيادة حافظ الأسد، مما أدى إلى مجزرة بشعة راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء.
لقد مضى 46 عاماً على مجزرة حماه، ولكن الجرائم الإنسانية التي وقعت فيها ما زال من شهدها من أجيال يعيشون بشقاء تحت ظلالها الثقيلة، حتى في كل قلوب السوريين وعلى نسيج الوعي الجمعي في البلاد بأسرها.
في الثاني من شباط عام 1982، شنت قوات الاجرام السوري هجوماً واسع النطاق على مدينة حماه بناء على أوامر من حافظ الأسد، وبإشراف أخيه رفعت الأسد بهدف قمع انتفاضة قادها حزب الإخوان المسلمين كمعارضة على الفساد وإقصاء المواطنين من الطائفة السنية بدرجة أولى، وباقي الطوائف المنتشرة في أراضي الجزيرة السورية مثل الآشوريين والكلدان والكرد .
ورغم فداحة هذه المجزرة لم تأت هيئات الأمم المتحدة على الإشارة إليها وكأنها لم تشكل جرائم ضد الإنسانية. ولكن شرفاء الثورة السورية ومنهم “فضل عبد الغني” نشر في منصته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بياناً صحفياً مرفقاً بتقرير – 25 صفحة- يعرض فيه أنَّ مرور أربعين عاماً على ارتكاب النظام السوري بقيادة حافظ الأسد مجزرة مروعة في مدينة حماه عام/ 1982 امتدت على مدى الشهر بأكمله، لن يجعلنا نتهاون في ملاحقة من بقي أحياء من مرتكبيها ومنفذيها، خاصة وأنَّ عائلة الأسد ما زالت تحكم سوريا، وما زال السفاح رفعت الأسد وبطانته تعيش في كنف الأسد في القرداحة وهم المتورط الأبرز في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مدينة حماه 1982. وأكّد التقرير -أيضاً- أن إحياء ذكرى المجازر الضخمة، والتي سبقت اندلاع الحراك الشعبي في آذار 2011 وما زال أثرها ممتداً حتى الآن يعتبر جانباً مهماً من كشف جزء من الحقيقة ومن الدفاع عن حقوق الضحايا وفضح مرتكبي الانتهاكات. وأكد التقرير إنَّ الإحصائيات الواردة فيه هي إحصائيات تقديرية وليست بيانات لجميع الضحايا، لكنها مستندة على قسم كبير من البيانات، موضحاً وجود بيانات لقرابة 3762 مختفٍ قسرياً من أبناء مدينة حماه ، إضافة إلى بيانات لقرابة 7984 مدنياً تم قتلهم. إلا أن التقديرات تشير إلى مقتل ما بين 30 إلى 40 ألف مدني، إضافة إلى نحو 17 ألف مفقود، ومما جعل توثيق المجزرة أنْ تصبح عملية معقدة هو طول المدة الزمنية، والضعف الشديد في التغطية الإعلامية العالمية أو الإقليمية، وانعدام وجود الصحافة المحلية، وقضاء وطني مستقل، بسبب هيمنة النظام السوري على السلطات الثلاث.
طبائع الطغاة مواجهة المعارضة بالقتل
كانت سورية في تلك الفترة ما زالت تعاني من نتائج حرب حزيران 1967 التي خسرت فيها جزءاً حيوياً من أراضيها (الجولان) التي كان حافظ الأسد بطل تلك الخسارة عندما أصدر البلاغ 66 معلناً سقوط القنيطرة (الجبهة الشمالية المحصنة) قبل يومين من وصول الجيش الإسرائيلي إليها بسلاسة وأمان نتيجةً لانسحاب حرس الحدود والألوية المرابضة على ثغور الجبال والتلال المطلة على معظم المدن الحيوية في أراضي فلسطين المحتلة. وبعد تلك الخسارة ظهرت زوبعة من التحليلات العسكرية والسياسية تدين الأسد بشكل خاص لتفرده بإصدار ذلك البلاغ المشؤوم. ووصلت التكهنات لدرجة وصمت فيها السد بصفة بائع الجولان. وبقيت هذه الصفة تلازمه حتى بعد وفاته. ولما استولى بانقلاب عسكري أسماه تلطيفاً (الحركة التصحيحية) في عام 1970 أعتلى سدة الحكم بعد انتخاب صوري رعته أجهزة الأمن التي أسسها آنذاك. ومنذ تلك الفترة بدأت سيطرة الأسد على مصادر الإعلام السوري وانتهاج سياسة إعلامية ذات لون واحد وهي التمجيد بشخص الرئيس والتطبيل لمنجزات حزب البعث الواهية والمضللة، وكذلك التضييق على تواجد الإعلام الأجنبي ووضعه خارج الستار الحديدي الذي يخفي وراءه جرائم إنسانية تفوق الوصف والتحمل.
سير العمليات العسكرية
ولما حاول حزب الإخوان المسلمين في مدينة حماه (شباط 1982) أن يتصدى لاحتكار الأسد على مفاصل الدولة وانتشار الفساد والتمييز الطائفي، اُستنفرت القوات المسلحة بكامل صنوفها ومها سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد واتجهت إلى حماه لتبدأ بمحاصرتها لمدة 27 يوم. وشهدت المدينة خلالها قصفاً مدفعياً وقصفاً جوياً همجياً بالطيران والإنزال المظلي، مما أسفر عن مقتل الآلاف وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة، وقد أدى شلل وسائل الإعلام المقصود أن يتغول الأسد بجرائمه الانتقامية حتى بلغت التقديرات لاحقًا تشير إلى أن عدد الضحايا وصل إلى قرابة 40,000 ضحية، بما في ذلك مدنيين وجنود سوريين.
القوات المشاركة في مجزرة حماه
تم تحشيد القوات السورية التالية لتنفيذ الحصار على مدينة حماه:
- سرايا الدفاع: تعتبر سرايا الدفاع جزءًا من القوات البرية السورية، وتشكل جزءاً هاماً من الجيش السوري المتخصص في الدفاع عن البلاد وتأمين حدودها.
- اللواء 47/دبابات: وحدة دبابات تابعة للجيش المجرم، وكانت مشاركة هذه الوحدة ضمن حصار حماه جزءاً من العمليات العسكرية التي نفذتها القوات الحكومية.
- اللواء 21/ميكا: وحدة ميكانيكية تابعة للجيش، وتعنى بتشغيل وصيانة المعدات والمركبات الميكانيكية العسكرية.
- الفوج 21/إنزال جوي (قوات خاصّة): وحدة قوات خاصة تتخصص في الإنزال الجوي وتنفيذ المهام الخاصة والعمليات السرية، وكان لها دورٌ هام في تنفيذ العمليات العسكرية ضد مدينة حماه.
تم استخدام هذه القوات من قبل النظام السوري في محاولة لقمع الانتفاضة في حماه، وكانت جزءاً من القوات التي شنت الهجوم الدموي على المدنيين في ذلك الوقت الحزين من تاريخ سوريا.
نتائج الحرب على حماه
لقد وُصف الهجوم بأنه واحد من أكثر الأعمال الدموية التي قام بها النظام الهمجي المجرم ضد شعبه في التاريخ الحديث للشرق الأوسط،
تعتبر مجزرة حماه أحداثًا مأساوية في الثمانينيات، وظلت تذكيراً بالظلم والقمع الذي تعرض له الشعب السوري على يد نظامه، من ذاك التاريخ الى تاريخ الثورة السورية ولغايت اليوم.
على الرغم من مرور الزمن، لا يزال السوريون يتذكرون معاناة حماه، ويطالبون بالعدالة والمساءلة لمن ارتكبوا هذه الجرائم البشعة، تبقى حماه نقطة مظلمة في تاريخ سوريا، وتحثنا على عدم نسيان معاناة الضحايا وعلى السعي لضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث المأساوية مرة أخرى.
تلك المجزرة الوحشية التي تعتبر من أسوء المذابح في تاريخ سوريا، تظل تذكيرا بالظلم والقمع الذي مارسه نظام البعث طوال عقود، حيث استباحت الأقلية دماء الأغلبية وحرمتهم من حقوقهم الأساسية والإنسانية، واستخدمت التهم الملفقة مثل “الإرهاب” لتبرير جرائمها.
لن تُمحى ذكرى مجزرة حماه من ذاكرة الشعب السوري، وسنستمر في الوقوف بجانب الضحايا والناجين، مؤكدين على ضرورة محاسبة المسؤولين على هذه الجرائم البشعة، والعمل نحو إرساء مستقبل يحترم فيه كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية دون تمييز.
هذة ذكرى طبعت فينا لاننا جزء منها
فأنا ابن احد المعتقلين في تدمر ولمدة عشرين عام
والدي هو الشيخ سعيدالدوش خريج الازهر الشريف
وقد عانينا كعائلة معتقل بدون اي ذنب عشرات السنين حتى جأئت الثورة السورية فاحسنا بطعم الحرية وماتعنية