ولمّا انقطع صدى انفجار برميل أرسله الطاغية ليبارك على خيامنا في قدوم عام جديد، اختلط الدخان والغبار حتى حجبا وجه القمر.
الدخان استمرّ في صعوده تاركاً الغبار ليرجع إلى التراب كي يُكَفِنَ الأشلاء التي نجت من الانطمار تحت الخراب.
ساد السكون ليعطي فرصة لسماع ألحان ترنيمة الموت.
الشهداء يغنون بحناجرهم افتتاحية سيمفونية لم يفسح موتهم من إكمالها.
الكورال يتناقص عدد أفراده بالتدريج بسبب المفارقة.
والصمت يطبق على خيام احترقت بمن فيها وأخرى أصبحت وسكانها منثورة على مساحة الانفجار.
وراء كومة من الحجارة عيون طفلة دامعة توصوص بين فجوات الحجارة علها ترى أحد من أهلها لتضع رأسها في حضنه كي يذهب عنها الرهاب.
كل شيء كان.. قد أصبح من الماضي خلال رفة جفن، ماعدا صوت مذياع صغير ما زال ينقل أخبار الطاغية … وبكل فجاجة كان يزف خبرَ قتله للعصابات الكونية. المذياع لا يكذب، بل ينقل أخبار الكاذبين.
انتصبت واقفاً أنفض عن ثيابي غبار حرب ضروس يقودها الطاغية ضد شعبه ليكسب صداقة أعداء هذا الشعب. من يتحالف مع الشيطان يرتقي لينافس إبليس.
وفي لحظة تأمل، شاهدت ملك الموت يرمقني من بعيد وكأنه قادماً نحوي. ولأني لا أحبُّ أنْ أموت إلا بعد أنْ أحتفل بانتصار الثورة على الطاغية، صرخت بأعلى صوتي:
أين أنت يا عشتار …؟ أيتها السيدة التي أسموها سورية …
وقبل أن أكمل ندائي، جاءني صوتها يهزُّ طبقات السماوات السبع وهي تنادي:
أيها الصنَّاجَة أوقفوا المراثي
الشهيد لا ينعى ولا يُرثى … بل يُزَفُّ
الشهيد لا يموت بل يدخل عالم الخلود ليحيا
الثورة لا تموت… بل تنتصر لتَخْلد
وأنا أمُّ الخصب أنجب أولادي في سورية كي تزدهر
أولادي منذ أن وجدوا على هذه الأرض هم أنبياء، وحواريون، وصحابة أتقياء.
أما الفاسدون في هذه الأرض هم من نسل الزناة الغزاة المجوس، والمغول، والروم، والصليبيين، وأبناء صهيون.
وكلُّ من يقول: لا حقّ لك في أن تكون حراً وذا كرامة هو من أعتى الطغاة.
شعبي بريء من هؤلاء المندسين الطغاة، ودمهم مهدور لا محالة.
بالقلم والمنجل والفأس تنتصروا عليهم، وبها تعمّرون سورية من جديد.
الشهداء لا تُحصى بالأرقام، بل بكمية الدم في جرن المعمودية الذي يُطهِر الذين سيولدون.
الحق أقول لكم أنَّ المستقبل ليس كتابًا مفتوحًا، بل ما يمكننا كتابة صفحاته بنور وجدانكم ومحبتكم لسورية الوطن الأم.
واعلموا يا أهل الشهداء أنَّ هذا العالم وقتيّ بالقياس إلى الحياة الأبدية…
لأن الأشياء التي ترونها أيام الثورة وقتيّة، وأما التي لا ترونها فأبديَّة.
ابتهجت روحي بقول عشتار، وقبل أنْ أغمض جفناي وضعت سبابتي على زناد القلم كي يكون لي شرف المشاركة بالانتصار.