بداية مهمة لمكافحة تجارة المخدرات في سوريا
يبدو أن أنشطة النظام الأسدي الخاصة بصناعة وترويج وتهريب المخدرات وصلت نهاياتها المسدودة، وذلك بعد تمرير الكونغرس الأمريكي ما سُمي “قانون الكبتاغون”، أو قانون مكافحة مخدرات الأسد وانتشارها عبر التهريب.
قانون الكبتاغون يطلب من الجهات الرسمية الأمريكية، وضع استراتيجية مهمتها تفكيك إنتاج الحبوب المخدّرة والاتجار بها من قبل النظام الأسدي وشبكات الترويج المتعاونة معه.
وقد جاء في نص القانون “يعتبر الكونغرس تجارة الكبتاغون المرتبطة بنظام بشار الأسد في سورية مهددة لأنها عابرة للحدود الوطنية، وبالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تطور وتنفّذ استراتيجية مشتركة بين الوكالات لحرمان وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات وتهريبها المرتبطة بالأسد”؟
تأثير قانون الكبتاغون على نظام الأسد: مصيره المستجد
أمام هذه الحالة، يمكن القول إن دائرة حصار النظام بدأت تضيق كثيراً، فبالإضافة لقانون قيصر، سيكون “قانون الكبتاغون” سيفاً مسلطاً ليس على وضع النظام الاقتصادي، بل على رقبة رأس النظام وكل المتعاونين معه في إنتاج وتهريب وترويج المخدرات.
لقد عاقبت الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الجنرال مانويل نورييغا رئيس بنما، بعد اتهامه بتجارة المخدرات وغسيل الأموال، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تستطيع بموجب قوانينها أن تعتقل بشار الأسد كما اعتقلت من قبله الجنرال نورييغا.
قانون الكبتاغون ليس مجرد مزيد من الحصار الاقتصادي وملاحقة شبكات تهريب المخدرات المرتبطة برأس النظام الأسدي، بل هو نقلة نوعية ستشلّ يد كل من يحاول دعم النظام، وتحديداً الدعم الذي يتلقاه من قبل من حليفيه الروسي والإيراني.
ففي جوهر القرار قال النائب عن الحزب الجمهوري الأمريكي “فرينش هيل”، إن “نظام الأسد في سورية أصبح الآن دولة مخدرات، وإن المركز الحالي لتجارة المخدرات هو في الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد”، معتبراً أن الأسد الآن سيضيف لقب ملك المخدرات إلى صفته العالمية المعترف بها باعتباره (قاتلاً لشعبه)
إن النظام الأسدي في وضع لا يسرّه، فرأسه باتت مطلوبة دولياً، باعتباره يشكّل تهديداً صريحاً للعالم من خلال صناعة وترويج وتهريب المخدرات بكل الاتجاهات، ولهذا ينبغي أن تضع قوى الثورة والمعارضة أسس استراتيجية جديدة حيال التعامل مع أهلنا السوريين في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات النظام الأسدي.
دور قوى الثورة والمعارضة
قوى الثورة والمعارضة مطالبة أن تبعث برسائل طمأنينة لكل المكونات السورية، وأن تركّز هذه الرسائل على تشجيع ممن لم يتورط في جرائم ضد السوريين على العمل بروح المسؤولية الوطنية، وعلى الخلاص من طغمة الاستبداد والقهر والمخدرات.
الأمريكيون لن يتركوا النظام الأسدي دون محاسبة بعد اليوم، وهم سيضيّقون الخناق على رأس النظام وبطانته الأمنية والعسكرية المتورطة بدم السوريين، وهذا سيدفع رأس النظام وبطانته إلى البحث عن أماكن يفرون إليها هرباً من نقمة السوريين، على ما أوصلهم إليه هذا النظام من جوع وفقرٍ مدقعٍ، لم تشهد البلاد مثيلاً له عبر تاريخها.
قوى الثورة والمعارضة يجب أن توظّف قانون الكبتاغون كخطة عمل في أوساط السوريين في مناطق النظام، وتحديداً المكوّن الذي ورّطه النظام الأسدي بحربه ضد السوريين، وهذا يتطلب تواصلاً مباشراً أو غير مباشر مع الفعاليات الوطنية وهي واسعة الطيف في هذا المكوّن، وقد تأذى هذا الطيف في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي من سياسة الاعتقالات وكم الأفواه والتعذيب، حيث كان يشكّل اتجاهاً وطنياً ديمقراطياً، قمعه حافظ الأسد بشدّة منعاً لنشاطه الوطني، وتثبيتاً للنظام الديكتاتوري، الذي رُسمت ملامحه منذ بداية انقلاب تشرين الثاني عام 1970.
وضع السوريين المعاشي الأليم في مناطق سيطرة طغمة بشار الأسد يتطلّب وضع استراتيجية تحركٍ وطني واسع، يشمل كل مكونات السوريين، وهذا التحرك بدأت بوادره مع حراك الأهل في السويداء، ومع مظاهرات الخبز في اللاذقية.
الأسد ونظامه الآن تحت أعين وكالات الحكومة الأمريكية، وهي لن تفّوت فرصة مطاردة شبكات تصنيع وترويج وتهريب المخدرات، هذه الشبكات لها أذرع إقليمية ودولية، ولهذا سيكون قانون الكبتاغون منعطفاً هاماً على صعيد بدء تصفية هذه العصابة الفظيعة، التي امتطت ظهر السوريين لأكثر من خمسين عاماً بالإرهاب والفتن والفساد المخيف.
النظام أمام أزماته المزمنة لن يخرج من تبعاتها، وهي ستشكّل له رعباً وجودياً، فالناس حين تجوع ويكوي الصقيع عظامها لن تثق بنظام كذب عليها بمقولات ثبت بطلانها، فهو استمر في الهيمنة على السلطة نتيجة استخدامه قوة السلاح بغير حقٍ، وحين حان وقت سقوطه باع كل شيء في الوطن، ليأتي الإيرانيون والروس وفلول الميليشيات الطائفية لحمايته، باعتباره قدّم لهم كل مبتغاهم من الجغرافية السورية ومن ثروات البلاد من أجل أن يبقى ولو شكلياً على رأس السلطة.
إن مخاطبة السوريين بكل مكوناتهم الموجودة تحت سيطرة النظام الأسدي هي مهمة ملحّة، ويجب ألا تخضع لردود الفعل والمزاجيات، بل يجب وضع برنامج عمل لها يُفضي إلى تعميق الاحتجاجات السلمية المطالبة بحق العيش بكرامة، هذه الاحتجاجات يمكنها ضعضعة رأس النظام الأسدي ودفعه للهروب خارج البلاد هو وبطانته، هذه البطانة التي ارتكبت أبشع الجرائم بحق السوريين المدنيين العزّل، والتي يجب أن تخضع لمحاكمات دولية أو وطنية.
كذلك يجب على قوى الثورة والمعارضة الدعوة إلى تشكيل مجلس سوري وطني، يشمل كل مكونات السوريين الاثنية والدينية والطائفية، إنما على أرضية وطنية من اجل استحق بناء دولة المواطنة للجميع.
إن هدر فرصة قانون الكبتاغون من قبل قوى الثورة والمعارضة، هو تمديد في عمر النظام الأسدي، ولهذا ينبغي العمل منذ الآن من أجل تحويل قوة قانون الكبتاغون إلى أداة هدمٍ ملموسة لنظام الأسد، فهل ستذهب قوى الثورة والمعارضة إلى هذا الخيار، أم أنها ستكتفي بانتظار ما سينجزه الأمريكيون للسوريين، وهذا أقل ما يقال فيه إنه عار مخجل.